قال همام: أتعجب كيف أنها لم تتزوج إلى الآن؟
قال سعيد: خطبها كثيرون من الشبان، فحصلت أحداث أجلت قبول طلبهم في الوقت الحاضر، وأخصها مسألة الحزن الذي نحن فيه الآن.
قال همام: إن كان الحزن على كريمة عمتك فقد انقضى بمرور خمسة شهور.
قال سعيد: ليس الحداد عليها، بل على خالة لنا في بر الشام، توفيت من عهد قريب، وكانت تكره الرجال كره العمى، حتى لقد حرمتني من إرثها، وأوصت بجميع أموالها لشقيقتي سعدى، فأصبح الآن إيرادها السنوي زائدا عن الأول نحو خمسة عشر ألف فرنك، فإجمالي دخلها السنوي يبلغ خمسة وأربعين ألف فرنك، ولكن لسوء الحظ من الزمان لم تتم لشقيقتي السعادة، فإنها بعد استيلائها على هذا الميراث ابتلاها الله بداء الجدري، وكان متفشيا في الجهات، فاستمرت تقاسي عذابه مدة طويلة، والآن شفيت والحمد لله وزال عنها الخطر، غير أنه قد تخلف في وجهها أثر الداء فشنع منها الوجه، ولا عبرة بذلك فإن الغنى الواسع يستر العيوب، ولا شك أن فؤادا ابن شقيقتك سيدة نادم كل الندم على رفضه الزواج بأختي واغتنام غنيمتها.
قال همام: كنت أنت السبب في رفضه بما قصصت عليه من الحديث بعد شرب الكونياك.
قال سعيد: أتأسف جدا على ما فرط مني وبدر من الكلام، فقد احتال علي ابن أختك فاقتنص أسراري.
قال همام: كنت أظنك صديقا له راغبا في مصاهرته ومناسبته.
قال: كنت ولم أزل صديقه، ويعلم الله أني أتمنى له الزواج بأختي.
قال همام: ليت الأمر ممكن، وبعد فليس في الكون شيء مستحيل، فكلامك على أختك لا يعلمه أحد غيري وغيرك وغيره، وأما شقيقتك فلا تدري منه شيئا، ولم تقطع المخابرة بعد، وغاية ما هنالك فتور حصل في العلاقات، وهو أمر يمكن تلافيه وإصلاحه في كل حال، وقد كانت وفاة عمتك كريمة وخالتك الشامية ومرض شقيقتك من الأسباب الموجبة لتأخير الزفاف، أما الآن وقد صفا الوقت، وهدأ البال، فلا مانع يمنع من استئناف الأمر، وأنت فهيم حاذق، وأنا خبير مجرب، فنتفق معا على تدبير الأسباب لإتمام هذا الزواج وإقناع الطرفين.
قال سعيد: وقد سره وصف همام له بالنباهة والحذق: نعم الرأي رأيك، ونحن قادرون على التدبير، فمرني بما تشاء، فإني مستعد للقيام به.
অজানা পৃষ্ঠা