يا بني: وكن سهل الجناب تحمد، وأكثر التبذل ترشد وتسعد، ومن عاشرته من الناس يا بني فعاشره على قدر عقله، ثم سائره على حسب ساعات نهاره وليله، واجر مع كل يوم كما يجري، فإن الأيام تقلب المرء أطوارا وإن كان لا يدري، فلا يذهب بك القياس، إلى ما كان عليه في أمسك الذاهب الناس، فإن لكل يوم وليلة ممرا، يحول فيه عن سالف خلائقه المرء، فإن من سعى مع يومه بغير ما يوافقه، وخالقه بغير خلقه، طالت معتبته على الصديق، وكان كالسائر في غير الطريق، فلا تذهب نفسك بالحسرات، في طلب الوفاء ممن ليس لك بالموات، ولا تشغل قلبك بالتفكر فيمن يخيس بعهدك، فإنك إن عثرت لك قدم، أو نزل بك ملم، صرف وجهك عما كنت تشخص إليه منه باليأس، وأخلفك حسن الظن فيه كما أخلف من كان قبلك من الناس، فاقطع عنك هذا الطمع الكاذب، ولا تسلك بين جوانحك الرجاء الخائب، واقبل ما به حبيت، وإليه دعيت، بالرأي الجازم، والعزم اللازم، فإنك خليق عند القبول، والعمل بما أقول، أن لا تنقطع مروءتك حين يصد عنك الخليل إذا أسلمك عند النازل بك، وأفردك بما يسكن جوى الأحزان في قلبك.
فتأدب يا بني: بأدب آبائك، واطرح عنك صفحا من يمزج لك من لسانه العسل، ليوهمك بغروره أنك تحل منه في أرفع المحل .
يا بني: إياك والطمأنينة إلى من قد حبيت على النكث جوانحه، وركبت على الغدر جوارحه، فكن لأوليائك متهما، ومنهم متسلما، وباليأس منمن وفائهم عالما، فإذا صار ذلك في صدرك مستحكما، فانظر ما كنت تطمع به منهم، فكن أنت على مثله لغيرهم، تضرب إلى بابك القلائص، وتشخص إليك عند النوائب العيون الشواخص، وتصير كهفا للاجئين، ومعتمدا للقاصين، وزينا للأقربين.
পৃষ্ঠা ২০২