[الخلق والمال]
والواجب في الأخلاق أكثر من الواجب في الأموال، وأفضل في جميع الأحوال، وإنما يعظم ذو المال ماكان موئلا، فإذا تخرم ماله عاد دحيرا قليلا !! والأخلاق لا يبلى جديدها، ولا يطيش سديدها، وفضل صاحبها باق في حياته، وبعد وفاته، والمال ثوب تخلق جدته، وتسمل سداه ولحمته .
وأحق الأشياء بالصون العرض الصحيح، والحسب الصريح، ومن آتاه الله قلبا ذكيا، وزنادا وريا، وخلقا مرضيا، وسخاء مذكورا وعقلا زكيا، وفهما مرضيا، وعلما بتقلب الأحوال، وتصرف الأيام والليال، ولسانا يؤدي إليه معرفة خلف الأزمان، ويمتهنه فيما يعود عليه نفعه كل الامتهان، ثم زم نفسه عن الكبرة، واعتاض من التجبر حسن العشرة، وقل افتخاره عند مناظرته، ولم يستدع نظيره إلى مباحثته، ولم يجار المجاري له من طبقاته، في طريق مساواته . ولم يخرج من القول إلى مالا يعلم، ولا من الفعل إلى ما يستعظم، فقد شرى لنفسه محمدة الحاضر والباد، واجتهد في مصلحته أشد الاجتهاد، واستحق التعظيم من جميع من ضمته أقطار البلاد، واجتمعت له الطرائق السمحة، وزاحت عنه المذاهب المستقبحة، وجرى عليه اسم الخيرة، ونظرته بالنواظر المبجلة كل عين مبصرة، وجاز حد الأكفاء، واعترف له بالفضل النظراء.
ولا بد أن في كل منفوس، آلة تطلع إليها النفوس، ويفتقر إليها حاجة المفتقرون، ويتشوف إليها المشوفون. فمن قصرعن علمها، عظم في نفسه صاحبها، وجل في عينه بحسب ما يدله، عليه عقله، وحاول أن يكون له على أمره ظهيرا، وارتفعت عنده درجته من أن يكون له نظيرا، ومن اتسع بدده، لضده ونده، كان على قدر ذلك عظم شأنه، وارتفاع مكانه.
وكم من جامع لمال ! يجود به لينال هذا المنال، ويستدعي من الجميع محبتهم، وينفي به حسايفهم، فلا يدرك من ذلك ما يريد، ولا يؤديه إلى ما يؤمل من العوآم ماله الممدود.
পৃষ্ঠা ১৯৬