ودليل آخر أن دار البلوى لا يخلو أهلها من التشاجر في أحكامهم وأديانهم، واختلاف آرائهم وأهوائهم، وإذا كانوا من الصفة على ما ذكرنا، وكانوا من الاختلاف على ما به قلنا، فلا بد للحكيم من أحد وجهين:
إما أن يختار لهم أحكامهم على حكمه، ويصطفي جهلهم على علمه.
وإما أن يحكم علمه على جهلهم، وينفي بحكمه باطل حكمهم، وإذا لم يكن بد من كتاب يحكم بينهم، ويبين لهم ما التبس عليهم، فلا يعلم أبين من قوله، وما نزل من الهدى على رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كانوا من اختلاف الأهواء على ما قدمنا، وفي قلة الإتفاق على ما شرحنا، لم يؤمن أن يلبسوا بذلك على من يريد النجاة بجهلهم، ويبطلوا الحق بأسوأ فعلهم، فمن هاهنا وجب على الحكيم تبارك وتعالى أن يرسل في كل قرن من القرون رسولا ليبين لهم ما فيه يختلفون، وينفي من الباطل ما لبس الضالون، وإذا كان ذلك واجبا عليه لحكمته، لم يؤمن أهل التموية من بريته، أن يلبسوا على الناس بدعوى رسالته ، فمن هاهنا وجب أن يخص بالإمامة أهل بيت معروفين، وبصحة النسب عند الخلائق مشهورين، ليكذب الناس مدعي ذلك من غيرهم، ويكون الطلب للإمامة في بعضهم أيسر من الطلب في كلهم، وأبين للمرتادين، وأهون على المتعبدين، من أن يطلبوه في الخلائق أجمعين، مع أنه لو كان ذلك في جميع الناس، لوقعوا في أعظم الالتباس، لكثرة دواعي الفاسقين، واغتيال الظلمة المنافقين.
পৃষ্ঠা ১২৩