والدليل على أصول هذه البهائم ونسلها، كالدليل على هذه الفروع وأصلها، فلعمري لو لم يكن لنا من النظر إلا ما في جوارحنا، لكان في ذلك دلالة على الله سيدنا!! ولكنا علمنا أن الفحص عن أصل هذا لخطب الجليل، أولا بالحكمة عند أهل العقل، ولترك النظر هلك الملحدون، الفسقة الكفرة الجاحدون، الصم البكم المتلددون، الجهلة الفجرة المتمردون، ولترك الأدلة لم يعرفوه، وبعداوتهم جهلوه، فهم كالبهائم التي لا تعرف إلا ما جاهرت، ولا تميز إلا ما حاضرت، ولا تدرك إلا ما شاهدت ونظرت، فزادهم الله نأيا وبعدا، ولا وفقهم لخير أبدا.
وسألت - أكرمك الله - عن دوام التكليف بعد الرسول، وذكرت أن يكون الجواب من المعقول؟
والدليل على دوام ذلك: أن الحكيم لا يهمل خلقه من الأمر بالخيرات، والنهي عن المنكرات، لأنه إن تركهم على الضلالة ولم يهدهم، ولم يأمرهم ولم ينههم، فقد اختار لهم الضلالة على الهدى، وأرغبهم في الغواية والردى، ومن اختار الضلالة فغير حكيم، ومن رضي للعباد بالجهل فليس برحيم، فمن هاهنا صح دوام التعبد لجميع العباد، إذ الإهمال يدعو إلى الفساد.
ودليل آخر
أن الحكيم إذا أظهر حكمته لم ينسخها ولم يبدلها، إلا بخير منها أو مثلها، ولم ير بعد القرءان بدله، ولم ير خير منه ولا مثله.
ودليل آخر
أن الحكيم إذا ركب في عباده الاستطاعة والقوى، وفطرهم على منازعة الهوى، فلا بد من صرف ذلك في طاعة (1) وهدى، وهذا أوفى جهل وضلالة وردى، فالعقول تشهد أن الحكيم لا يأمر بصرف نعمه في الفساد، ولا يرضى لعباده بغير الرشاد، ولا رشدا أرشد ولا هدى أهدى، مما نزل الله في الفرقان من الهدى.
ودليل آخر
أن من أخفى هداه وحكمته، فقد نزع عن أوليائه رحمته، ومن أخفى حكمته عن أوليائه وخلع حجته عن أعدائه، فقد برئ من الحكمة والتدبير، إذا رضي بالجهل والتدمير.
পৃষ্ঠা ১২২