قيل له ولا قوة إلا بالله: أليس تعلم أن السكون قد انقطع آخره وأوله بعد حدوثهما، وبطلان جميع دهورهما، فهذا دليل على حدوث جملة جميع الحركة والسكون، وقد زعم بعض الملحدين أن الفلك مدبر قديم، وأنه لا أول لحركته ولا غاية، ولا بدأ لها ولا نهاية، وأن النجوم لم تزل تحرك ولا تغير وتطير، تقترن أبدا، وبدبر وسنين من فساد قولهم إن شاء الله تعالى ما فيه مقنع لذوي الألباب، ودلالة شافية على الله رب الأرباب، فاسمعوا - رحمكم الله - بقلوب سوية، وألطفوا النظر فيما نقول بعقول جلية، فنقول ولا قوة إلا بالله: إن النجوم في أنفسها محدثة مدبرة، ومخلوقة بمشيئة الله مقدرة، ومبرية مصنوعة مصورة، وذلك أنا نظرنا في جميع حالاتها، فإذا هي تدل على صانعها من قبل أجسامها وحركاتها، فأول ما نبدأ إن شاء الله تعالى بذكر حركة الفلك ومسيره، فنقول: إن النجوم لا تخلو في جريها من أحد أربعة أوجه لا خامس لها:
إما أن تكون جرت فوق الأرض في جو السماء، قبل أن تجري في الفلك تحتها.
وإما أن تكون جرت تحت الأرض قبل أن تجري فوقها.
وإما أن تكون لم تبدأ بالحركة قبل أن تجري من تحتها ولا من فوقها.
وإما أن تكون بدأت بهما معا في حال واحد.
فإن قلت: إنها بدأت بالحركة من فوق الأرض قبل أن تجري تحتها، ناهيتها وأقررت بحدثها من الفوق قبل التحت، وجعلت بديها بالحركة من أحد المكانين قبل الآخر.
وإن قلت: إنها بدأت بالحركة من تحتها قبل أن تحرك فوقها، ناهيتها أيضا وجعلت الحدث كان من التحت قبل الوصول إلى الفوق.
وإن قلت: إنها جرت في الفوق والتحت معا في حال واحد، لأن الفوق غير التحت، والتحت غير الفوق، فكل نجم مما ذكرنا لا يخلو من أن يكون سار من الفوق إلى التحت، أو من التحت إلى الفوق، أو لم يسر من أيهما.
পৃষ্ঠা ১০৭