فلتطردهن إذن ولتتركنه لرعاية ربات الفلسفة.
جرت الدموع على خد السجين، ولم يستطع أن يعرف من تكون هذه السيدة النبيلة الآمرة، واستسلم لصمته وذهوله حتى اقتربت منه، وجلست على حافة سريره، وراحت تتأمل وجهه الحزين وتشكو مما أصابه من اضطراب التفكير:
ويلي كيف هوى العقل إلى القرار السحيق
عاجزا مسلوبا من وضوحه وصفائه!
كان من عادته أن يبحث عن الأصول،
ويهبط إلى منابع الطبيعة الخفية،
أما الآن فهو مستضعف يحيط به الظلام،
والرقبة ترهقها القيود الثقيلة.
الوقت إذن وقت العلاج لا الشكوى، وسوف تثبت فيه عينيها العميقتين اللامعتين، وتسأله: ألست أنت الذي أرضعته من لبني وغذوته من طعامي حتى بلغ نضج العقل ورجولته؟ ألم أزودك بأسلحة كان يمكن أن تحميك لولا أن ألقيت بها بعيدا عنك؟ ألم تعد تعرفني؟ لم تسكت الآن؟ أمن الخجل أم من الحيرة والاضطراب؟
وجدته السيدة صامتا لا يقوى على الكلام، فوضعت يدها على صدره، وجففت الدموع المنسابة على خده، وطمأنته إلى أن ما يعانيه ليس بالمرض الخطير، وأنه إنما نسي نفسه وسيذكرها بمجرد أن يتعرف عليها من جديد. وأحس كأن ضباب حزنه قد انقشع، وكأن شمس الأمل كادت تعشي عينيه، ورفع بصره إلى وجه طبيبته فعرف فيها مرضعته ومربيته، فلم تكن هذه السيدة النبيلة إلا الفلسفة التي نشأ في بيتها وتعلم على يديها، كم يدهشه الآن أن تنزل عن عرشها العلوي وتزوره في منفاه الوحيد! ألا تخاف على نفسها أن يتهموها زورا كما اتهموه؟ ألا تخشى العقاب الظالم الذي ينتظره؟
অজানা পৃষ্ঠা