غير أننا ونحن في هذا الطريق، وأبصارنا معلقة بنهايته، ووزارة العدل السورية تكلف الإخصائيين بوضع قانون مدني مستمد من الفقه الإسلامي لا ووافي بالحاجات الزمنية الجديدة، فوجئنا بإصدار القانون المدني السوري في عهد الانقلاب العسكري الأول الذي حدث لدينا في 30 آذار 1949 م ، وكان صدور هذا القانون بمساعي السيد أسعد الكوراني الذي ولاه زعيم الانقلاب وزارة العدل السورية. فقد اهتبل السيد الكوراني فرصة ذلك العهد الانقلابي والحكم الإرهابي، وأقنع زعيم الانقلاب الذي تولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن إقامة قانون مدني أجنبي بدلا من التشريع الإسلامي وفقهه في هذه البلاد هو خير وسيلة لخلود الذكر وعظيم المكانة في نظر الأجانب، وأوهمه أن هذا العمل يجعله كنابليون الذي كان القانون المدني الفرنسي أكثر تخليدا له من فتوحاته1 وقد وجدوا أن القانون المدني المصري الجديد يحقق هذا الغرض لأنه أجنبي أوروبي المصادر، فأصدروه بين عشية وضحاها بجرة قلم هدموا بها أعظم صرح فقهي في العالم، وأقاموا بها قانونا لا مرجع فيه لقاض أو محام أو دارس إلا أصوله وإصطلاحاته الأجنبية .
وقد فاتهم أن طريق الخلود ليس في أخذ قانون أجنبي لا أثر لنا فيه إلا الانسلاخ من أصالتنا التي في كل أرض منها أثر ، وفي كل حضارة عنها خبر؟ ولا نتيجة له إلا تناسي الذات، والتحول إلى حياة على هامش الحياة! وإنما طريق الخلود في أن ننشىء من جوهر فقهنا الذي ملأت آلاف مؤلفاته مكتبات العالم، وأن نستمد من نبعه العذب المعين الهذار قانونا جديدا يفي بحاجاتنا الحديثة، فيكون أصله راسخا في فقهنا، وفرعه شامخا في السماء، كما كان يفعل فقهاؤنا الأعاظم في تخريجاتهم وتجديداتهم الفقهية إزاء حاجات كل عصر ومصر، حتى بلغوا بالفقه الإسلامي هذه السعة التي جلت عن الحدود. نعم هذا هو طريق الخلود الذي إذا مشينا وأنتجنا فيه كان كفيلا بأن يرد مصر نفسها إلى الجادة بعدما خطئت وانساقت
পৃষ্ঠা ২১