وفي أوائل هذه السنة لما كان محمد آغا بوظو واليا في حوران استقبل الأمير بشير الشهابي الكبير عند ذهابه إليها، فأهداه الأمير سيفا وبندقية ثمينين وسعى له بحكم البقاع، فجاءه ونال الزحليون لديه منزلة بإشارة الأمير، وكان بطرس نجم المعلوف والد نعمان المعلوف قد ضمن منه غلال البقاع، وقسم منها الثلث وأحيانا النصف، وكان ذلك بمثابة الأعشار فاحتكرها وربح أرباحا طائلة مع بعض مواطنيه، واتسعت تجارة زحلة وكثرت أهراء (حواصل) القمح فيها، وصارت واردات البقاع وبعلبك وجبل القلمون (الشرقي) وغيرها تباع فيها. وكانت الغلال رخيصة حتى بيع كل مد ونصف من الحنطة بغرش واحد.
وسنة 1822 كان الأمير بشير لن يزال حانقا على الأمراء الحرفوشيين، فقوى الزحليين عليهم فكثر بينهم الخصام، وحدث إذ ذاك أن الأمير جوادا الحرفوشي رأى كلا من إلياس أبي خاطر ومرعي شبيب من زحلة في قرية بريتال (بريتان)، فقتلهما فزاد ذلك في غيظ الأمير بشير الحاكم، فصار ينتهز الفرص للاقتصاص من الحرفوشيين.
وسنة 1823م بنت الرهبنة المخلصية كنيسة القديسة تقلا، وسميت الحارة التي تجاورها باسمها.
وفيها حدث سيل جارف في الشتاء حمل حجارة كبيرة وجنادل ضخمة وأشجارا عظيمة، فهدمت الجسر الكبير القديم الذي يقال إنه من بناء الصليبيين، مثل جسر الكرك (أي جسر المعلقة)، وكان واطئا متينا ضخم الحجارة، فرمم كما هو على حالته إلى يومنا.
وسنة 1824م نمي إلى الأمير بشير أن الأمير أمينا الحرفوشي في بدنايل «إحدى قرى بعلبك»، فأمر شيخي زحلة أن يذهبا برجالهما، ويقبضا عليه فسارا وطرقا القرية ليلا برجالهما، ففر الأمير هاربا وتقاتل الفريقان مدة انجلت عن قتل إبراهيم قادره الزحلي برصاصة أصابته.
وفيها أسند الكرسي الرسولي وكالة كرسي حلب الكاثوليكية إلى المطران أغناطيوس العجوري مطران الفرزل وزحلة والبقاع، فسار إليها وأحضر من حلب عشرة شبان درسهم وهذبهم بأوقات فراغه، وسامهم لخدمة الرعية الحلبية، وبقي أحدهم الخوري بولس سنكي في زحلة من الأكليروس الأسقفي ومنذ ذاك الحين بدأ تأسيس هذا الأكليروس في زحلة.
وفي سنة 1825م كسدت صناعة النسج التي كان نحو نصف الزحليين يشتغلون بها، وهي نسج الخام البلدي وجلب القطن، وكان من أنواع ذلك ما يعرف بخام تسع عدات، وهو نظيف ناعم وبعد صبغه يشبه الكرمسوت وأخذت في التناقض سنة فسنة. (2) موقعة بني القنطار
وفيها أي سنة 1825 استفحل الخلاف بين الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط وأعوانه، فاقتص الأمير منه وضرب على أيدي الدروز، وخضد من شوكتهم وفت في عضدهم.
فانتهز الزحليون هذه الفرصة وأخذوا يتحفزون للقيام على بني القنطار وحاطوم وحسان الدروز الذين كانوا قد مكنوا سلطتهم في زحلة، وأرهقوا سكانها وساموهم الخسف وأثقلوا كاهلهم بالاستبداد، وكثر تحاملهم على الزحليين إضعافا لهم إذ رأوهم يزدادون تقدما يوما فيوما، فخافوا سطوتهم وخشوا نفوذ كلمة الزحليين لدى صديقهم الأمير بشير حاكم لبنان، الذي بدأ منذ ذاك الحين في مصادرة الدروز وإذلالهم، ولا سيما بعد مناوأته لرأسهم وكبيرهم الشيخ بشير جنبلاط (عمود الدروز) وعميدهم.
فكانت عمشاء القنطار وحسين القنطار الدميم المنظر، وغيرهما من العتاة يصادرون الزحليين ويحملونهم التكاليف الكثيرة، ويرغمونهم ويفرضون عليهم حمل المؤن والحاجات إلى بيوتهم بدون قبول أقل اعتراض أو أدنى مقاومة أو اعتذار، ومن خالف أوسعوه ضربا وشتما. فاحتمل الزحليون ذلك بادئ ذي بدء مرغمين، ثم أخذوا يدبرون الذرائع لكسر قيود الذل وحل ربقات الاستبداد.
অজানা পৃষ্ঠা