مدينة الملائكة
افصلوني - أرجوكم - معه!
الضحك حتى البكاء
الخروج إلى الشمال
إننا نختنق ... نختنق
خطاب من راكبة أتوبيس
فلنكتشف أنفسنا
التليفزيون
الشعب القوي هو الذي يغير
وداعا أيها المجلس وإلى غير لقاء
অজানা পৃষ্ঠা
المندوب الغائب
اللص ذو الأقدام الكبيرة
عبقرية المعارف
مركز الدائرة
وذهبت للدعوة الغامضة
أحفادك يا طه
أجادير في عينيك
رسالة من الجنادرية
في ألمانيا
مركب النقص ومركب العظمة
অজানা পৃষ্ঠা
المجتمعات الوسط
مدينة الملائكة
افصلوني - أرجوكم - معه!
الضحك حتى البكاء
الخروج إلى الشمال
إننا نختنق ... نختنق
خطاب من راكبة أتوبيس
فلنكتشف أنفسنا
التليفزيون
الشعب القوي هو الذي يغير
অজানা পৃষ্ঠা
وداعا أيها المجلس وإلى غير لقاء
المندوب الغائب
اللص ذو الأقدام الكبيرة
عبقرية المعارف
مركز الدائرة
وذهبت للدعوة الغامضة
أحفادك يا طه
أجادير في عينيك
رسالة من الجنادرية
في ألمانيا
অজানা পৃষ্ঠা
مركب النقص ومركب العظمة
المجتمعات الوسط
مدينة الملائكة
مدينة الملائكة
تأليف
يوسف إدريس
مدينة الملائكة
في لحظة إحساس باللافاعلية والضيق بالصبر وانعدام الدور والجدوى؛ لحظة من تلك اللحظات التي كثيرا ما تنتاب أيا منا أمام ما يتصوره وما يجده من عقبات هائلات كأنها جبال تفاهات شامخة، دق جرس التليفون دقا دوليا في العاشرة مساء: - ألو، صباح الخير (دهشت)، أقصد مساء الخير ... فلان؟! - نعم، صباح الخير أو مساء الخير، أهلا وسهلا. - أنا عفاف لطفي السيد ... الدكتورة عفاف لطفي السيد الأستاذة في جامعة لوس أنجلوس. - أهلا وسهلا ... عفاف لطفي السيد؟ - نعم. - ابنة أستاذ الجيل؟ - ابنته الروحية ولكن والدي كان سعيد لطفي السيد باشا شقيقه. - أول رئيس للإذاعة المصرية؟ - تماما. - أهلا وسهلا، أهلا وسهلا. - لقد كلفتني جامعة لوس أنجلوس بأن أعرض عليك أن تحضر إلى الجامعة كأستاذ كاتب زائر لمدة ربع عام أو عام حسبما يسمح وقتك فما رأيك؟!
كان أول خاطر سريع أن أقبل فورا؛ ففي تلك اللحظة كنت مستعدا لتلبية أي نداء قدري يأتيني ولو بالذهاب إلى واق الواق.
لقد كنت أحتار إذا سألني أحد السائلين عن هواياتي، كنت أفتش حياتي فلا أجد لي هواية واحدة تصلح للذكر؛ فلا أنا رياضي ولا شطرنجي ولا إلى أي نشاط اجتماعي أنتمي. والانطواء أحب إلي كثيرا من الجلوس في ناد، ولا أصطاد بالبندقية، وحظي في صيد السمك صفر. أخيرا جدا اكتشفت أن كثرة حبي للسفر تعد هوايتي الحقيقية، والعام الماضي كله تقريبا قضيته على سفر: دعوة لحضور مهرجان الشعر الشبابي في العراق، دعوة من الجمعية العربية السويدية لاستوكهلم، دعوة من وزارة العلاقات الثقافية الخارجية لزيارة فرنسا، دعوة من هيئة «البروهيلفيسيا» السويسرية (ما يقابل المجلس القومي للثقافة عندنا) لزيارة سويسرا، وكان رفيقي في الدعوة صديقي وأستاذي الدكتور لويس عوض الذي لا أمل مداعبته، ولم أمل طوال الأسابيع الثلاثة التي قضيناها في سويسرا ... وها هي الآن دعوة إلى كاليفورنيا ولوس أنجلوس وجامعة عتيدة مهيبة اسمها
অজানা পৃষ্ঠা
Ucla .
ولكن انبثاقة الرغبة في التلبية سرعان ما توقفت؛ فقد رنت في أذني كلمة «أستاذ» ولو كان زائرا للجامعة.
فكل الدعوات السابقة كانت دعوات ثقافية سياحية ومقابلات مع كتاب وفنانين ومثقفين وحضور مؤتمرات.
تنحنحت وقلت: يا دكتورة عفاف ... تقولين أستاذا زائرا؟ - نعم. - ولكن أستاذ ماذا؟ أستاذ لتدريس الأدب العربي؟ - شيء كهذا. - ولكن هذا التدريس لم أجربه أبدا ولا أصلح له، لا أطيق أن أكون أستاذا أو أدرس شيئا؛ فأنا كثير التغيير والتبديل في آرائي، والحقيقة عندي بالغة الصعوبة في الوصول إلى مرحلة اليقين فيها، والأستاذ لا بد أن يكون قد «وصل» إلى ما يتصور أنه الحقيقة ليستطيع أن «يعلمها» لغيره، ألا تعرفون هذا في جامعة لوس أنجلوس عني؟ أنا دكتور طبيب يا دكتورة ولم أنل أية دكتوراه، وكنت قد تنازلت عن اللقب ككاتب وظللت ردحا طويلا أكتب اسمي فقط، إلى أن عينني الأستاذ هيكل في الأهرام، ورأى أن يكتب اسمي مضافا إليه لقب دكتور، وهكذا ذهبت مثلا، والتصق اللقب بي، وكأن نبوءة المرحوم الشاعر كامل الشناوي قد تحققت؛ إذ حين خلفت ابني الأول والأكبر (سامح) ظللت طويلا حائرا في تسميته؛ فقد كنت أريد أن أسميه محمدا وكانت أمه قد قرأت قصة لي اسمها «لعبة البيت» وبطلها طفل اسمه سامح، فأصرت على أن تسميه «سامحا » حتى لا يغضب منا اللغويون؛ إذ إن العائلتين مليئتان باسم محمد، ويومها - وأنا حائر في اختيار الاسم - قال المرحوم كامل الشناوي: اسمع يا يوسف، ما رأيك أن تسميه دكتور (والمرحوم كان دائم التشهير بطبي ومتطببي) بحيث ستجبر الناس على أن يقولوا: «دكتور يوسف إدريس» يقولونها لسامح وإن لم يقولوها لي.
طبعا لم أقل كل هذا للدكتورة عفاف؛ فهي تتكلم من مسافة لا تقل عن سبعة عشر ألف كيلو متر والدقيقة بالشيء الفلاني، ولكن فكرت في كل هذا، وفي جملة لخصت لها الموقف: أنا لا أصلح أستاذ أدب أو مدرسا لتلاميذ.
فوجئت بها تقول: ولكننا نعرف هذا ولهذا دعوناك. - دعوتموني لهذا؟! - نعم، لتعطينا وتعطي الخريجين المتخصصين وأعضاء تدريس الأدب العربي رؤيتك كمبدع في القصة والمسرح. - ولكن هناك في جامعات مصر أساتذة كبار يفيدونكم أكثر. - في الحقيقة نحن نتبع نظاما أصبح معمولا به في أمريكا الآن، وهو دعوة الروائيين والشعراء وكتاب القصة والمسرح كأساتذة زائرين يناقشهم الطلبة في أعمالهم ويقتربون من المبدعين الخلاقين؛ لكي يثيروا فيهم حبهم للأدب والفن ويدخلوا تيارات غير أكاديمية على عقولهم، بحيث لا تعود الجامعات أديرة مقفلة بعيدة عن الواقع العلمي أو الفني الحي؛ ولهذا نحن نرحب بالكتاب ليقولوا هم نظرتهم الشخصية أو النقدية إلى عملية الخلق وإلى آرائهم في النقد حتى في طريقة تدريس الفن أو الأدب ...
ورغم أن الكلام كان مقنعا جدا، إلا أن فكرة أستاذ وجامعة ودراسة ظلت تدور في عقلي وتقترب من محيط الرفض حتى وأنا أقول لها: ولكن ثلاثة أشهر مدة طويلة. - سوف تجد أنها ليست كذلك حين تأتي. - إذن شكرا يا دكتورة على الدعوة ومبدئيا أنا أقبلها. •••
سبع عشرة ساعة من الطيران المتواصل، 11 ساعة من القاهرة لنيويورك، وانتظار ساعتين ثم ست ساعات للوصول إلى لوس أنجلوس.
برأس دار حول نصف الكرة الأرضية في رحلة متصلة وصلت «مدينة الملائكة»، (أنجلوس بالإسباني تعني ملائكة)، وأنا بالكاد أدرك من أنا، وبدا لي المطار الكبير المتوهج بالأضواء وبالسلالم وبالوجوه لوحة قد اختلطت وتداخلت، لوحة لا بد رسمها تجريدي مجنون، ولولا أني لمحت وسطها وجها أعرفه جيدا هو زميلنا السابق في الأهرام الدكتور إبراهيم كروان عضو مركز الدراسات بها أو هكذا خيل إلي؛ إذ كانت قد أضيفت إلى وجهه ذقن صغيرة أنيقة جعلته يبدو وكأنه جزء من اللوحة يضيع في عدم اليقين.
ولكنه كان هو.
অজানা পৃষ্ঠা
وكان الوقت متأخرا إذ كان صباح اليوم التالي قد أشرق في القاهرة، بل حل ظهره وليله ويوشك فجر يوم جديد أن يأتي إن لم يكن قد جاء فعلا.
لم تكن تلك أول مرة أزور فيها لوس أنجلوس؛ فقد زرتها عام 1966، وكنت تلك المرة مدعوا من قبل جامعة شيكاغو وقمت بجولة في أهم المدن الأمريكية.
ولكن هذه لوس أنجلوس أخرى تماما؛ عام 66 كانت مدينة متوسطة الكبر والمباني، وكانت تختلف عن غيرها من المدن الأمريكية في خلوها من ناطحات السحاب المشهورة أو ندرتها، ولكن هذه المدينة أصبحت غابة من ناطحات السحاب المهيبة، بل من مدينة واحدة تكاثرت مثل «أميبا» عمرانية مخيفة الأبعاد، فأصبحت خمس (أو ربما ست) مدن تكاد مدينة بيفرلي هيلز (حيث هوليود) تصبح أقلها أهمية.
فجأة وأفقت على الحقيقة، أنا في بلد غريب تماما، وكأن الدعوة كانت فرصة لكي أغمي عيني وأقذف نفسي في سفرة أخرى، وها أنا ذا أفيق على حقيقة أني في مدينة رهيبة الغنى والأبعاد، أقصر شارع فيها طوله سبعون كيلو مترا، وعربات بولسيها وإسعافها لا تكف عن النعيق، والعربات الأمريكية الهائلة الحجم كثيرة كثيرة وصفوفا صفوفا، تدبر حمراء وتقبل بأنوار بيضاء ساطعة، ماذا أتى بي يا ربي وماذا أفعل هنا، وماذا سأفعل في الجامعة غدا أو على الأصح بعد أن تذهب عني «تولة» الرحلة؟!
أقول: أغمضت عيني وقذفت بنفسي في تلك السفرة لأسباب لا علاقة لها بأهمية الدعوة أو الجامعة بقدر ما كانت أسبابا تتعلق بي شخصيا، كنت في الحقيقة أريد أن أخلد إلى نوع من الانفراد بالنفس وتأمل طويل لا تقطعه علاقات أو نشاطات أو زيارات لحياتي؛ فمنذ عام 1958 حين ارتبطت كتابتي بالصحافة وتركت الطب، هدهدت خواطري التي اعترضت على الفكرة بقولي لنفسي: إنها مجرد فترة قصيرة جدا، أجرب فيها الكتابة للصحافة؛ إذ لا مناص لكاتب القصة القصيرة، وحتى المسرح من الالتحاق بالصحافة إن آجلا أو عاجلا؛ فالقصة القصيرة الحديثة المكتوبة هي الابنة الشرعية للصحافة، لولا الصحافة ما وجدت، فكاتب القصة القصيرة لا يستطيع أن يصدر كتابا في كل مرة يكتب فيها قصة قصيرة، لا بد أن ينشرها في مجلة أو جريدة ثم يجمعها - أو لا يجمعها - في كتاب بعد ذلك، والمسألة في العادة تبدأ بنية نشر القصص القصيرة ثم يبدأ الكاتب ينزلق إلى كتابة خاطرة، ثم اقتراحا، ثم صورة قلمية، وفي النهاية يجد نفسه منغمسا تماما في دور الكاتب الصحفي؛ ذلك أن الصحافة تحمل الكاتب حملا إلى مشاكل الناس، مشاكل الاقتصاد والثقافة والسياسة والتعليم والإسكان والمواصلات، وحتى الحب يصل أيضا إلى مشاكله، وليس إلى قصصه فقط.
وأفقت لأجد نفسي قد قضيت أكثر من ربع قرن كتبت أثناءها أكثر من ثلاثة آلاف موضوع صحفي، وهو كم يعادل ما كتبته فنا عدة مرات، وقبل أن أشرع في رحلتي الأخيرة تلك كنت قد انتهيت من مراجعة كثير من هذه المقالات وتنسيقها في أربعة كتب صدر بعضها ولا يزال الآخر في انتظار الصدور، وحين راجعت هذا العدد المهول من المقالات اكتشفت أني ما تركت مشكلة من مشاكل الشعب المصري أو العربي إلا وكتبت عنها ونبهت إليها، حتى تجريف الأرض الزراعية كتبت عنه منذ خمس سنوات بعنوان: الذين يأكلون أمهم (أي الأرض)، ومن مشاكل تلوث البيئة إلى مشاكل السياسة والسياسيين والتلوث الثقافي والتعليمي والتربوي، حتى الانفجار السكاني كتبت عنه في الخمسينيات.
وهنا استوقفني سؤال مفجع: دعك من الأصدقاء النقاد وكاتبي المقالات الصحفية الذين سلخوني طوال السبعينيات حول نهايتي ككاتب فن «وهروبي» إلى الكتابة الصحفية؛ فهؤلاء كنت أجيبهم بقولي: إن نهاية الأرب في فهم الأدب هي أن يبادر الكاتب وينشئ شيئا من أجل الآخرين، فإذا شب حريق في دار إخوانه الآخرين هؤلاء، أيترك الناس تحرق البيت والآخرين وينزوي في ركن يكتب عما حدث قصة أو رواية أو مسرحية، أو يتصرف كالرجال ويشمر عن ساعده وبكل ما يملك يساعد فورا في إطفاء الحريق، وبعد هذا يكتب القصة أو لا يكتبها؟ هذا شيء غير مهم بالمرة؛ فالكاتب ليس صانعا ماهرا لكراس مذهبة أو كراسي مقاه ليس حرفي قصة ورواية ومسرحية. الكاتب روحه معلقة بروح شعبه، في مشنقة واحدة أو في باقة حرية واحدة. الكاتب هو «أول» من يبادر وآخر من ينكص. الكاتب ظاهرة اجتماعية بيولوجية قبل أن يكون ظاهرة فردية هدفها ذاتي محض، أن يكون أكثر أهل صنعته إتقانا لحرفته أو أكثرهم امتيازا على أقرانه.
مئات المقالات قرأتها وأنا أراجع الكتب الأربعة والسؤال المفجع يقف كاللقمة في زور الواقع، وماذا صنعت تلك المقالات؟!
لا بد أنها صنعت شيئا، كثيرا أو قليلا، غير مهم؛ فصدى الصنع أجده في كل مكان أذهب إليه، وصحيح أنها غيرت في تفكير كثيرين، ولكن هل غيرت حقا في الواقع؟ هل حلت فعلا مشاكل؟ هل أخذت بها أي حكومة أو حتى أي مصلحة؟!
ذلك أمر أترك الحكم عليه للناس وللتاريخ ...
অজানা পৃষ্ঠা
ولكني ككاتب لا بد أن أراجع دوري الآن.
فلقد كنت أكتب في السبعينيات في فترة اتسمت بغياب - معظم الوقت - للمعارضة وللرأي الآخر السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، والآن ومنذ نهاية عام 81 ونحن في حقبة أخرى، هناك أحزاب معارضة، تعارض حتى رئيس الجمهورية في قراراته، وهناك صحف معارضة مقالاتها وكتابها السياسيون والثقافيون والعلميون أعلى صوتا من أعلى الأصوات التي تكتب الرأي الآخر فيما يسمى بالصحف القومية.
هناك إذن حياة حزبية شبه كاملة، ودور «قائم مقام» المعارضة أصبح على رأي لطفي السيد في معاهدة 36 «غير ذي موضوع» بعد أن قامت المعارضة القوية الشرعية، والتفكير السليم يدعو كلا منا لأن يعود إلى تخصصه واختصاصه، وأعظم ما أستطيع أن أفعله الآن أن أنتج قصة ومسرحية وفنا وفكرا - بالطبع غير منعزل عن الحياة العامة - بل بتعمقها، ويضيف بعدا وجدانيا إلى مقالاتنا وخطبنا وتصريحاتنا العقلانية. هذا أوان الكاتب والكتاب؛ فالضجة القائمة في صحافتنا عربية ومصرية شديدة العلو - ولا نرى طحنا - وشعبنا حاجته ماسة إلى إبداع فني حقيقي «يكنس» العناكب والعقارب والثعالب والفئران النرويجي التي تكالبت على ضمائر الناس تنهشها وتزلزل قيمها. إن الفن الحقيقي هو الدفاع عن الضمير المصري والعربي، وضمائرنا لم تكن في حاجة إلى دفاع عنها بقدر ما هي في حاجة إليه الآن.
وليس بالفن وحده ندافع عن ضمائرنا، ولكن بالكتابة الحقيقية الصادقة الصادرة عن تجرد كامل وعن غيرية كاملة، وليس كما هو حادث الآن مع كثير من أصحاب الأعمدة اليومية الثابتة التي أحالوها إلى قطاع خاص في أحيان كثيرة لأهداف خاصة جدا، والكتابة في الفاضي والمليان لا لهدف إلا لتثبيت ملكية «العمود وإثبات وضع اليد». لقد أطلعت وأطلع على الصحافة في العالم كله بطوله وعرضه وشرقه وغربه ولم أجد هذا النظام الغريب الذي تنفرد به الصحافة المصرية والعربية؛ نظام العمود الثابت لسبعة أو عشرة، أو أحيانا كتاب أكثر، يكتبون كل يوم ولا يقولون شيئا بالمرة، أو يقولون الشيء نفسه كل يوم، كل يوم، والغريب أن معظمهم لا يتمتعون بآراء قيمة وقدرة دائبة في البحث عن الحقيقة وثقافة عميقة تتيح لهم معرفة موسوعية، بحيث يعالجون الأشياء التي يكتبونها بعمق ومن خلال وجهة نظر جديدة ومبتكرة ومحددة، ولكنهم في مجموعهم يشكلون آراء شائعة لا جديد فيها ولا ابتكار، غالبا ما تكون قشرية أو أحيانا غوغائية، وفي أكثر الأحيان تميل إلى المحافظة وتملق الرأي الشائع أو المودة السارية، في حين أن كاتبا يستطيع أن يكتب رأيا يوميا لا بد أن يكون قائدا فكريا أكثر خطورة بكثير من مارلو أو سارتر أو الحكيم بوذا أو حتى - بموسوعيته - العقاد.
والنتيجة ضجيج غريب، تضيع فيه الأصوات المفكرة الدارسة وتفقد الكتابة الصحفية نفسها أهميتها وتصبح كالطنين على الأذن، أشياء تدعو للنعاس. •••
أغمضت عيني وقذفت بنفسي في آخر مدينة على غرب الدنيا، وفي نيتي أن أعتزل العالم ثلاثة أشهر كاملة، لعل ذرات الرمال الناعمة تذهب عن عيني، وتتضح الرؤية، والضجيج الذي يملأ آذاني ويسد مسام عقلي وتفكيري يكف؛ فأستطيع أن أسمع صوتي الداخلي وأتلمس نوع وطبيعة ما أريد حقيقة أن أقوله وأفعله.
ولكني كنت أحلم.
فمدينة الملائكة التي ذهبت إليها كانت تحفل بضجيج لم أكن أتصوره وبأصوات صاروخية هذه المرة لا تعيق السمع ولكن تصم الآذان فعلا، وكانت تجربة.
ويا لها من تجربة!
افصلوني - أرجوكم - معه!
অজানা পৃষ্ঠা
بعد التحية
مقدمه لسيادتكم الطالب محمد حامد الحمامي، أمين اللجنة الثقافية باتحاد المعهد الفني للفنادق ببورسعيد
أما بعد، فأنا آسف إذ أبلغك بأنني فصلت من المعهد بسبب اتباعي لرأي سيادتك، سامحك الله يا دكتور يوسف؛ فأنت السبب في فصلي من المعهد؛ فقد قرأت مقالك أو مفكرتك التي تنشرها كل يوم اثنين في جريدة الأهرام، والتي كانت تتناول إيقاظ الهمة لدى الرأي العام المصري بالطريقة الشرعية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، وقد ناشدت في هذا المقال كل التجمعات السياسية والعمالية والطلابية بأن تتحرك لدعم الانتفاضة، وبالذات ناشدت الاتحادات الطلابية في الجامعات والمدارس والمعاهد بأن ترسل برقيات إلى الحكومة الإسرائيلية وإلى سكرتير عام الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإلى كل الجهات المعنية تندد بأساليب القمع الدموي التي يتبعها المغتصبون الصهيونيون في الأرض المحتلة.
وما كان مني إلا أن حاولت أن أساهم في هذا الاحتجاج بطريقتي الخاصة المشروعة بأن أقيم معرضا عن الانتفاضة، وذلك بصور ومجلات حائط لتوضيح مدى رجولة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتوضيح كفاح الشعب العربي ضد إسرائيل، وما كان مني إلا أن عرضت الأمر على السيد رائد الاتحاد فوافق على إحضار الصور، وعندما أحضرتها وشاهدها رأى ضرورة موافقة السيد عميد المعهد، برغم أن السيد المسئول عن رعاية الشباب قد تحمس لي وشجعني على المضي قدما في نشر ذلك، وما كان مني إلا أن عرضت الأمر برمته على السيد العميد فأبدى استعداده بالموافقة على إقامة المعرض، ولكنه قال لي: أمهلني إلى الغد. فلما جاء الغد فوجئت بدلا من الموافقة بأن مباحث أمن الدولة في بورسعيد تستدعيني وتحقق معي بأسلوب وطريقة كأنني قمت بعمل إجرامي ضد الدولة، هذا: وناهيك عن مصادرة كل الصور والمجلات، وعند عودتي الى المعهد حاولت الاستفسار عن سبب هذا كله، ولكن المفاجأة الكبرى أنني وجدت أن قرارا بفصلي من المعهد قد صدر، وصدر في أحرج وقت؛ لأنه لم يبق على امتحاني سوى شهر واحد، وذلك تحت زعم أنني حاولت إثارة شغب وبلبلة بين صفوف الطلاب بإقامة هذا المعرض. بالله عليكم هل نحن عرب أم ماذا، وهل يرضيك ما حدث؟
محمد حامد الحمامي
أمين اللجنة الثقافية بالمعهد الفني للفنادق ببورسعيد
ما كدت أعثر على هذا الخطاب بين أكوام رسائل القراء حتى اكتفيت به وبلغ بي الغيظ حد الكف عن قراءة بقية الرسائل، وأعود إلى منزلي في حالة ثورة عارمة.
فخلال الأعوام القليلة الماضية، تلك التي استشرى فيها التطرف بين الجماعات الدينية واليسارية، والتي أخذنا فيها نحن الكتاب وأولي الرأي في هذا البلد على عاتقنا مهمة أن نفهم الشباب أنه لا العنف ولا الإرهاب ولا الالتحام بقوات الشرطة والخروج في مظاهرات تتعدى الحرم الجامعي حيث يختلط الحابل بالنابل وتسود الفوضى، كان أقصى ما نطمح إليه أن يتعلم الشباب الجامعي الوسائل الشرعية للتعبير عن الرأي، مثل عقد المؤتمرات داخل مدرجات الكلية، وتحرير برقيات ورسائل الاحتجاج إلى المسئولين أو غير المسئولين قائلين فيها رأيهم بصراحة ووضوح.
سنوات وسنوات ونحن نفعل هذا، وحين كتبت منذ بضعة أسابيع أطالب الرأي العام المصري بأن يظهر احتجاجه على مذابح إطلاق الرصاص وتكسير الأيدي والضرب، تلك التي يستعملها الجيش الإسرائيلي بأوامر من شامير وحكومة الليكود، حين فعلت هذا كنت أحاول أن أناشد الشباب والمؤسسات الشعبية والنقابية أن تظهر احتجاجها بالطريقة الشرعية التي تطالبنا دائما بها الحكومة والمسئولون السياسيون؛ ولهذا فإذا كان هذا التعبير بالطريقة الشرعية جريمة فلا بد أنني أنا - وليس أحد غيري - هو المتهم الأول والمحرض فيها، وقد يقول البعض إن ما جاء بالخطاب غير صحيح، ولكني أستبعد هذا الاحتمال؛ إذ قد أرسله الطالب باسمه وعنوانه، ويعني هذا أنه مسئول تماما عن خطابه وأقواله، ولهذا فأن يتفضل عميد معهد الفنادق بإبلاغ مباحث أمن الدولة ضد هذا الطالب الذي ذهب يأخذ منه الإذن بتعليق الصور بعدما وافق على مشروعه رائد الاتحاد ومسئول رعاية الشباب، ولم يعترض العميد وإنما طلب استمهاله يوما واحدا، ذلك اليوم الذي أسرع فيه إلى إبلاغ مباحث أمن الدولة عن الجريمة البشعة التي يعتزم الطالب القيام بها، نفس الجريمة التي يرتكبها تليفزيوننا كل يوم، وفي كل نشرة أخبار وترتكبها صحافتنا وارتكبتها أنا ككاتب وغيري من عشرات الكتاب، أما أن يحدث هذا فإن الأمر يشكل جريمة كبرى في حق الشعب المصري، بل أقولها علانية في حق الحكومة المصرية والرئيس محمد حسني مبارك.
فأولا:
অজানা পৃষ্ঠা
كيف يخدع العميد تلميذه، وقد كان ممكنا أن يعترض ويرفض، إنما الذي طالبه هو تأجيل للغد، وما هو بتأجيل إنما هي وسيلة غير كريمة لتبليغ مباحث أمن الدولة من خلف ظهر الطالب المسكين الذي وثق في عميده، ومشى منذ البداية على خط مستقيم مشروع، وقد كان باستطاعة العميد أن يرفض عرض الصور والمجلة، وهذا هو حقه، رفضا شجاعا مباشرا، أما أن يتظاهر بالموافقة ثم يبلغ مباحث أمن الدولة فهنا نضع أيدينا على بعض العمداء والمديرين الذين تركوا الإشراف العلمي جانبا وأصبحوا ممثلين لأمن الدولة ووزارة الداخلية، ليس بناء على توجيهات وزير التعليم ولا استجابة لأوامر وزارة الداخلية، وإنما هكذا يجندون أنفسهم متطوعين لتلفيق التهم لأولادنا ولفلذة أكبادنا؛ أملا في أن ينالوا الحفاوة، لدى من؟ لست أدري.
وثانيا:
ما هذه العلاقة المريبة بين بعض المسئولين في الجامعات والمعاهد وبين مباحث أمن الدولة عن طريق الحرس الجامعي أو غيره. إن العميد كان يختار في السابق على أساس مقدرته العلمية وبانتخاب أعضاء مجلس الكلية ليزاول وظيفة تعليمية سامية، ألا وهي رياسة معهد أو كلية أو جامعة ... فهل تبدل الحال وأصبحت قدرة العميد تقاس بمقدار ولائه لأمن الدولة ووزارة الداخلية؟
ثالثا:
هذا طالب قارئ قرأ رأيا لكاتب، واتبع كما أراد الكاتب الطريق العلني المشروع، فكانت النتيجة أنه فصل قبل الامتحان بشهر، أنا أعرف والقانون يعرف (قانون الجامعات) أنه لا يمكن فصل طالب إلا بعد تقديمه لمجلس تأديب في معهده أو جامعته ، وإدانة مجلس التأديب له، أما أن يفصل طالب دون محاكمة أو تأديب، وإنما بمجرد الاتصال بمباحث أمن الدولة فهو شيء جديد حقا؛ جديد على التقاليد الجامعية، وجديد على الحكم في مصر. والأهم منه أنه يحدث الآن في عصر نقول فيه كلنا ابتداء من رئيس الجمهورية إلى أصغر محرر في جريدة معارضة إن الديمقراطية هي دعامتنا الأولى لحكم الشعب، وإن وسائل القهر والكبت والحجر على الرأي انتهت من بلادنا تماما وذهبت إلى غير رجعة.
أما إذا كان العميد - المباحث - يرى أن عرض صور للمذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة وإسرائيل هو عمل ضد الحكومة وضد الحكم وجريمة يستحق عليها الطالب الفصل من معهده فإني لأتعجب! فإذا كان الأمر جريمة فأنا الذي كتبت في الأهرام وأنا الذي حرضت على ارتكاب تلك «الجريمة»؛ وبالتالي أنا أول من يستحق العقاب، فلماذا لم يطالب سيادة العميد بفصلي أنا وحرماني من الكتابة، ولماذا لم تفعل مباحث أمن الدولة هذا؟
إنها ليست فقط مهزلة، ولكنها وقد علمت بها من خطاب الطالب المستغيث بي، ومحملني - وعنده تمام الحق - المسئولية عن فصله، لأهيب بالدكتور أحمد فتحي سرور وزير التعليم أن يطلب معاقبتي أنا أولا وعنده مجلس الشورى مالك الصحف بما فيها الأهرام، وعنده رئيسه الدكتور علي لطفي الذي هو في الوقت نفسه رئيس المجلس الأعلى للصحافة الذي يملك حق فصلي؛ فأنا الجاني في الأصل والمحرض، وما الطالب سوى ضحية بريئة لما كتبت، ولأنني لا أعرف بالضبط الجهة التي فصلت الطالب، فإنني أطالب نفس الجهة الغامضة التي تولت هذا العمل المشين أن تفصلني أنا أولا، أم لأنه هو طالب، مجرد طالب، وأنا كاتب، تطبق عليه هو الإجراءات الشاذة، ولا تطبق علي؟
رابعا:
نأتي للموضوع نفسه، هل الاحتجاج بطريقة شرعية قانونية على الاعتداء الوحشي الواقع على إخوتنا وأشقائنا الفلسطينيين جريمة تستحق العقاب؟
إذا كانت بعض الجهات الرسمية لمباحث أمن الدولة أو وزارة التعليم ترى في الأمر جريمة؛ فالحقيقة أن آخر المتهمين فيها هو ذلك الطالب المسكين، وإذا كنت أنا المحرض ، فإن المتهم الأول لا بد أن يكون الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان أول من احتج على تلك الأعمال الإجرامية وأول من أدان حكومة الليكود ورئيسها المتعصب إسحق شامير، ويأتي بعد هذا السيد صفوت الشريف وزير الإعلام والمسئول عن الإذاعة وتعليقاتها وعن التليفزيون وصور التوحش اللاإنساني التي نراها في كل نشرة أخبار، ثم كل رؤساء تحرير الصحف القومية وصحف المعارضة تلك التي أدانت جميعها هذا العدوان الصارخ، والتي طالبت الشعب بالاحتجاج على هذا المنكر بأقل أنواع دفع المنكر باللسان والصورة والكلمة.
অজানা পৃষ্ঠা
إذن لا بد أيضا لوزير التربية ورئيس مباحث أمن الدولة أن يبادر بفصل رئيس الجمهورية وكل الكتاب ورؤساء التحرير، لا بد من فعل كل هذا قبل أن تمس شعرة واحدة من شعرات الطالب محمد حامد الحمامي؛ فهم الفاعلون الأصليون المتآمرون الذين يحرضون الناس ضد القمع الإسرائيلي.
أقسم أني من لحظة أن تسلمت هذا الخطاب وأنا في حيرة من أمري، هل هناك حكومتان في مصر، واحدة يرأسها حسني مبارك تقف ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم، وحكومة ثانية سرية لا يعرف أحد بالضبط هويتها، ولا يملك الإمساك بمسئوليتها، حكومة موالية تماما لإسرائيل، وتأخذ أوامرها منها، وتعذب وتضرب وتفصل كل من تسول له نفسه أن يحتج على القمع الإسرائيلي، فإن هذا يعد في نظر تلك الحكومة السرية خروجا على الخط وجريمة في حق المتعاونين مع إسرائيل؟
والغريب في الأمر أني حين أمعنت النظر، وجدت أن قرارات وأحكام تلك الحكومة السرية الثانية هي التي تنفذ حين يجد الجد، وهي المالكة لزمام الأمور، وكأنها الحكومة الفعلية الماسكة بزمام الأمور، وكأن الحكومة الأخرى حكومة كلام وأقوال همها إلهاء المواطنين ليس إلا. •••
وبعد؛
إني لا أريد فتح باب النقد لحكومتنا الشرعية والتي أعتقد أنها لا تزال شرعية؛ فالملاحظ من حادثة الاعتداء على عضو مجلس الشعب، ومن مد قانون الطوارئ لثلاث سنوات أخرى تبدأ من أبريل القادم - ثلاث سنوات - يا للهول، ولماذا لا تمد كل ثلاثة أشهر أو حتى كل ستة أشهر، لماذا نحكم على مستقبل مصر خلال السنوات الثلاث القادمة بالتكبيل وبفرض حالة الحرب على الناس، دون حرب، بل في الواقع بإخماد أي صوت يرتفع ضد علاقتنا بإسرائيل، شيء لم يحدث في تاريخ العالم قط؛ فديمقراطيتنا التي لا تزال ينقصها الكثير كانت تحتاج منا إلى فتح أكثر لباب الحرية، حتى إذا انتهت فترة الأحكام العرفية نجد شعبا منظما قد تعود على احترام الرأي والرأي الآخر، أم أننا سيحكم علينا بأن نظل أطفالا غير مسئولين إلى الأبد؟
الاعتداء على النائب ومد الأحكام العرفية لستة وثلاثين شهرا كاملة، وإرغام آلاف الفنانين في مصر على إجراء انتخابات حسب القانون المشبوه الجديد «ورجلهم فوق رقبتهم» ثم تدليل شركات توظيف الأموال وإلغاء المسئولية الوزارية، وترك أعضاء مجلس الشعب وترك الوزراء كأفراد يواجهون الأعضاء وحدهم فرادى، وكأنه لا توجد هناك وزارة ورئيس وزراء ومسئولية سياسية بقيادة رئيس الوزراء باعتباره المسئول الأول عن أن أي خطأ أو انحراف أو رأي شخصي يجتهد به وزير.
حالة أحسست معها، وأنا أحمل خطاب الطالب المفصول فصلا تعسفيا، لا بد أن يكون محل تحقيق تعلن نتيجته ويعلن اسم ووظيفة فاعله على الملأ، حالة أحسست معها أن سياسة الدولة قد أخذت - وتصبح حكومة يمين صريح لا يخجل من نفسه وأنها ماضية في سياستها تلك؛ تصم آذانها عن صرخات الشعب ورأيه وكأنه غير موجود، ولولا أنني سمعت تصريحات الرئيس المبارك ضد الحكومة الإسرائيلية وتلويحها بالقيام بتدمير صواريخ الدفاع التي اشترتها المملكة السعودية من الصين وقوله: إن أي اعتداء على أي جزء من الجزيرة العربية يعتبر بمثابة اعتداء على الأرض المصرية نفسها. بما معناه أن مصر ستتصدى لهذا الاعتداء بكل ما تملك من قوة، ثم كلماته التي تحمل الرد المفحم على المتعصب شامير وقائد قواته رابين، إنه إذا حدث شيء كهذا فإن معناه نسف جهود وحالة السلام في المنطقة بأسرها، ونسف السلام يعني العودة للحرب، لولا أن جاءني صوت الرئيس مبارك يعلن موقف مصر الحرة التي عانت طويلا من تعنت إسرائيل وعانت أكثر من تحيز الولايات المتحدة لأي سياسة عدوانية إسرائيلية ، جاءتني تلك التصريحات فأفاقتني من هول ما كنت فيه، مثلما النشادر في الإنسان الموشك على الإغماء غما وغيظا وانعدام أية وسيلة حتى للصراخ أو الاحتجاج.
لتفهم الحكومة الإسرائيلية ولتفهم إدارة ريجان أنه مهما بلغ نقدنا لحكومتنا فإننا إزاء ما يقترفون من جرائم قد بلغ غيظنا أطراف أنوفنا، ولولا ثقتنا في ضخامة ما تواجهه دولتنا من صعوبات وأهوال خارجية هم القائمون بها لانفجر شعبنا عن بكرة أبيه عنفا واحتجاجا؛ إذ لم يعد في قوس الصبر منزع، ومستودع المتفجرات داخلنا يكفيه خطوة، مجرد خطوة واحدة، وفعل إجرامي واحد تقترفه حكومة شامير بدعم من الولايات المتحدة، يكفيه خطوة حتى ينفجر أعتى وأقوى انفجار.
وعلى الباغي تدور الدوائر!
لقد تبخرت كل أحلامنا في «علاقة خاصة» مع أمريكا، وكل ما كان يأمل فيه الرئيس السادات من ربطنا بالعجلة الأمريكية والإسرائيلية أثبتت السنوات والتجارب أنه جاءنا بالعكس تماما، وأن رفضنا وغيظنا من السياسة الإسرائيلية الأمريكية قاطع ومستعدون معه أن نشعلها جحيما، فخير لنا أن نتحمل التعذيب المتواصل الطويل على أيدي تلك العصابة الدولية التي ليس لها من عمل سوى قهر الشعب وبالذات قهر الشعب العربي وإلجائه إلى الزحف على البطون والتماس الرأفة من مجرمين لا ذرة رحمة في قلوبهم.
অজানা পৃষ্ঠা
أما أنت يا صديقي محمد حامد الحمامي فإني إن شاء الله متبن قضيتك إلى أن يفصلوني معك، بل وليفعلوا بي ما هو أكثر، أو إلى أن يصدروا حكما ببراءتك وتلحق امتحانك، فكلنا معك، وإذا كان لنا رأي كما لا بد لأي كائن حي أن يكون له رأي، فنحن والله حائرون؛ فإذا احتججنا بفوضى سجنونا بتهمة إثارة الشعب والشغب، وإذا حاولنا إبداء الرأي بطريقة شرعية متمدينة فصلونا بتهمة الإثارة والتحريض، ومعنى هذا أن الحكومة السرية الغامضة تريد منا أن نحيا كقطيع الخرفان، لا ننطق ببنت شفة، نمشي وراء الكباش الخفية هادئين مساقين، ويكفينا أن لنا الحرية في السير خلفها كما تسير القطعان، قطعان لا تفعل إلا أن تشرب وتأكل - هذا إذا وجد الطعا م أو الشراب - ونقبل أيدينا ظهرا لبطن على نعمة الوجود مجرد الوجود، كائنات بلا رأي وبلا أي حق في إبداء الرأي.
إنني والله لا أصدق أننا نعيش فعلا في القرن العشرين، وإننا استعدنا لإنساننا حقه وحريته، أهو كابوس مزعج ما نحن فيه؟
أم أننا على شفا بداية جديدة لعهد جديد؟
الضحك حتى البكاء
حين اتصل بي صديقي الفنان عادل إمام يدعوني للانضمام لجهود اللجنة الفنية التي أنشئت لدعم الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة، والتي اقترح عادل إمام إقامة حفل كبير يخصص دخله لدعم الانتفاضة.
حين حدث الاتصال التليفوني ووضعت السماعة وجدت نفسي أضحك كما لم أضحك في حياتي، فصوت عادل إمام وملامحه ومجرد تصوري له يضحكني، فما بالك إذا تحدث؟ إنه ينثر السخرية والابتسامات بتلقائية غريبة وضعها الله فيه كما وضع في الياسمين رائحته وفي الكروان حلاوة صوته، ولكن هذه المرة لم أكن أضحك من عادل إمام، كنت أضحك في الحقيقة فيما آلت إليه أحوال ما كان يسمى بالرأي العام المصري عندنا، لقد كنا خلال القرنين الأخيرين منشغلين بكل قضايا العالم من معارك روسيا مع اليابان تلك التي ألف فيها شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم قصيدة مطولة، إلى أقل شرخ يحدث في مئذنة أحد مساجد استامبول، وطوال خمسين عاما نحن مشغولون بالقضية العربية إلى درجة الالتحام المسلح والقتال، فماذا بالضبط حدث لنا؟ إنني متأكد وأعرف أن كل مصري ومصرية ينتفض جسده غضبا وغيظا مما تفعله حكومة الاحتلال الإسرائيلي بسكان قطاع غزة والضفة، وأعلم أن الجميع - حتى الأطفال - يستنزلون اللعنات على جنود الاحتلال كلما رأوا منظرا كهذا في النشرة، مع أنها نشرة مخففة جدا بالقياس إلى نشرات الأخبار في التليفزيون البريطاني (الذي يملك اليهود نفوذا كبيرا فيه) والأمريكي الذي يملكونه كله.
وأتطلع أنا إلى رد الفعل العام في مصر فلا أكاد أجد، حتى رد الفعل الوحيد الصادر عن نقابة المحامين لم أقتنع به تمام الاقتناع؛ فهو مثل بعض الحكومات العربية لا يجد أمامه إلا الحكومة المصرية يلومها ويعنفها ويوبخها ويتهمها بالخيانة ويطالبها بإلغاء وتجميد كامب ديفيد، وكأن هذا الإلغاء هو الذي سيوقف تكسير وضرب وقتل الفلسطينيين في الضفة وغزة، ولقد كانت كامب ديفيد كارثة، على الأقل في شقها الفلسطيني بكل معنى الكلمة، ولكنها عندي غير مهمة بالمرة، إنما المهم أننا ربطنا فيها وفي العجلة الإسرائيلية علنا، أما ما حدث في السر فقد كان أدهى؛ إذ قد ربطنا وكأنما للأبد بالعجلة الأمريكية الإسرائيلية أيضا، وأصبحت اليد المصرية مشلولة تماما، أقصد اليد المصرية الرسمية، بل أصبحت محل سخط هذه الدوائر الفاجرة الأغراض، وما محاولة إفشال رحلة الرئيس المصري إلى أمريكا بهذا الفتور الأمريكي وتوريطه في مبادرة لم يقبلوها حتى هم أنفسهم، إلا مثل واحد على أنه لا الأمريكان ولا الإسرائيليون يريدون لمصر أو لرئيسها أن يقوى، أو أن يعود يتزعم العرب كما هو الشيء الطبيعي تماما، وإنما يريدون لمصر ولرئيسها أن تكون دائما مكسورة الإرادة والجناح؛ مجرد دولة عربية أخرى مثلها مثل أصغر دولة عربية تعدادها ربع مليون، كيف ستحل هذه التبعية القومية القمحية السلاحية النقدية، تلك هي القضية الكبرى والأولى إذا أردنا أن نعود لأن نكون أو تنمحي صفحتنا من الوجود.
ولكني هنا لا أتحدث عن مصر الرسمية.
إنما أتحدث عن مصر الشعبية، مصر الرأي العام القوي، المسمع دائما للعالم صوته.
أين هو هذا الرأي العام؟
অজানা পৃষ্ঠা
كيف لا تصدر نقابة الصحفيين بيانا إلى كل نقابات الصحفيين في العالم كله تستنهضهم ضد هذه الهجمة الهمجية الشرسة على إخواننا الفلسطينيين؟
أين هو اتحاد الكتاب - وفي مصر والله العظيم تنظيم اسمه اتحاد الكتاب المصريين - أين صوته؟ أين اتصالاته باتحادات الكتاب في العالم؟ أين موقفه حيال قضية وقع على شجبها خمسمائة كاتب ومثقف فرنسي ونشرت في كبريات صحفه؟ أين هذا كله؟
نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، نقابة الزراعيين والمهندسين والتجاريين والإداريين، كل نقابات مصر، سواء على مستوى المصنع أو مستوى المؤسسة أو المستوى القومي العام.
إن النقابات هي القنوات الشرعية لإيصال صوت الشعب إلى الحكومة المحلية وإلى العالم كله، فأين نقابات العمال، واتحاد عام العمال، أين جامعاتنا - باسم الله ما شاء الله عشر جامعات أو تزيد - لكل منها اتحاد طلبة ونادي هيئة تدريس، ورئيس ومجلس، ومئات المئات من المدارس الثانوية والفنية، لو أن ناظر كل مدرسة ومدرسيها وطلبتها أرسلوا برقية للأمين العام للأمم المتحدة ولرئيس مجلس الأمن وللرئيس ريجان أو حتى لشامير يلعنون سياسته ويتوعدونه بالويل والثبور، لو أن هذا قد حدث لارتجت أبدان استعمارية كثيرة ولارتعشت يد رابين وهو يوقع الأمر بالضرب في المليان، ولكن شيئا من هذا لم يحدث.
ذلك لأننا شعب قد أمرضنا أنفسنا وتولوا هم إضافة الجرعات لمرضنا، أمرضنا أنفسنا حين فصلنا بين الدين وبين الوطنية وحين أصبح الصراع يدور حول من المسلم وكيف يكون الإسلام، وكيف تكون علاقة المسلمين بغير المسلمين ... إلى آخره.
وهذا كان أعظم ما يطمع إليه الطغاة والبغاة في كرتنا الأرضية، أن يلتهي المسلمون بفتنهم الداخلية عن أن يواجهوا أعداء أي دين وكل دين، أولئك الذين لا ملة لهم ولا أمان، وحوش القرن العشرين.
ثم جاءت أحزاب المعارضة حين تكونت الأحزاب لتوجه مدافعها الرشاشة والثقيلة إلى وزير الداخلية وضباط وزارة الداخلية، ومع أنهم يستحقون النقد على بعض ما يقترفون، ولكن عدونا ليس زكي بدر وليس أبو باشا ولا مكرم محمد أحمد، عدونا هو شامير وشارون وريجان الخاضع ورابين، أولئك هم الذين كانوا يتوجب علينا أن نوجه لهم كل مدافعنا، فنحن لا نزال في مرحلة تحرر وطني، وهم لا يزالون المستعمرين بلا جنود، ولكن بلقمة العيش وقطعة السلاح والدولار والسياح، استعمار من نوع جديد غريب لم يرد في الكتب ولن تجده في المراجع، وإنما هو ذا أمامنا في الحقيقة واضح وجلي وصريح ولا يحتاج إلا لذي نظر وبصر، ولكن أنظارنا مشغولة بالتفرقة بين الدجاج الأبيض والبني، وبين الأجور والارتفاع الجنوني في الأسعار، وأزمة السكن وأزمة المواصلات، وعمرنا، طوال عمرنا، نعاني من مشاكل الحياة، في طفولتي كنا نأكل اللحم مرة كل شهر، ومع هذا كنا نقاوم ونحارب ونتظاهر ضد الاستعمار والاحتلال غير محتجين أبدا بالفقر أو بالديون أو بالحاجة؛ فقد كانت روح مصر لا تزال حالة في جسدها ولا تزال تغذينا بموتور من الطاقة الروحية على المقاومة.
ولست أعني باستصراخي للمدارس والجامعات والنقابات أن أدعو إلى مظاهرات تجأر وتملأ الشوارع وتتيح الفرصة للمتربصين بها وبنا لكي يعيثوا فسادا في الأرض، إنما أدعو إلى مؤتمرات تعقد في المعاهد العلمية والنقابات لها كل الجلال والخطورة، تناقض وضع إخواننا الفلسطينيين الذين تتقطع لهم قلوب الناس في أمريكا نفسها وحتى في إسرائيل، مؤتمرات ليست موجهة ضد حكومتنا لكي تشتبك في صراع داخلي لا يفيد أحدا، وإنما بإشراك رجال حرب الحكومة أنفسهم في تلك المؤتمرات وبالاشتراك في تلك المعارك السياسية، حتما ستقل الفجوة، فجوة العداء إلى حد البطش من ناحية والاستنكار الصارم من ناحية أخرى، وبتقليل تلك الفجوة يمكن فعلا أن نتحدث بعد هذا عن حوار بين المعارضة والحكومة وعن حلول قومية حقا.
أما أن تتطوح مصر ال 52 مليونا ويحمل الفنان عادل إمام وحده ومن تلقاء نفسه ومعه مجموعة صغيرة جدا من الفنانين عبء التعبير عن غضبة شعب مصري يبصق في وجهه دم كل يوم من قبل أعدائه، ولا يصنع شيئا، فذلك هو ما جعلني أغرق في الضحك حتى البكاء.
قطعة من ضمير مصر الحي
অজানা পৃষ্ঠা
من بين الخطابات الكثيرة، حين قرأت هذا الخطاب «طب» قلبي رعبا، أو فرحا أو شعورا غامضا لم أحس به من قبل، لا أعرف، أخذت الخطاب وطبقته بعناية ومعه الظرف، وإلى أن عدت إلى منزلي بعد ساعات طويلة كنت دائم الإحساس بوجود الخطاب في جيبي يتحول، من كلمات غريبة وكأنها رسوم الآراميين على معابدهم، إلى ما يشبه التعويذة، إلى شيء دافئ حميم وأنه قطعة من ضمير مصر تكورت داخل جيبي.
وقبل أي شيء آخر سأعرض لكم الخطاب، وكنت أفضل لو كنت طبعته بالزنكوغراف لتروا كيف كتب، لولا علمي أن كثيرين منكم لن يستطيعوا فهمه ربما لرداءة الخط أو اللغة أو حتى الهجاء؛ ولهذا آثرت أن أتعب نفسي في حل ألغازه، وأنشره، بنفس لغته.
الكاتب الحقاني يوسف إدريس
باكتب لحضرتك الجواب ده ومعلش أنا ابتدائية قديمة وبافهم كلامك في الجرنان لأنه سهل وحقاني، وعلشان كده اسمع حكيتي (حكايتي)، بيقولوا مين شاف منكر لازم يغيره بإيديه، ولو مقدرش بلسانه، ولو مقدرش بقلبه، وده أضعف الإيمان، مش كده؟ طيب، أنا ممرضة وعندي بنتين بيشتغلوا في الشركة المصرية ... (لا تؤاخذوني لم أذكر اسم الشركة لأني أخاف على صاحبة الخطاب من الانتقامات الجبانة) بنتين: ماجدة متجوزة ومبسوطة والتانية لسه مخطوبة، واحنا ناس على أد حالنا ورأس مالنا جمال البنات وشرفهم، وبعدين بنتي الصغيرة مرة جت تعيط وتقول بإن زميلتها اللي بتشتغل في قسم الهندسة وأن مهندس كهربا فضل يعاكسها وهي تصده لغاية ما ضحك عليها وهي متجوزة من مدة بسيطة، وأخدها يوصلها لبيتها لأنها سكرتيرة معاه وراح جنينة (...) وهناك هجم عليها، وصدفة شفهم البوليس وهي بتصرخ وبقت قضية، البنت اترفدت وطلقها جوزها، وهي كانت بتصرف على أمها لأنها يتيمة اتظلمت، أما اللي ضحك عليها فإدارة الشركة نقلته لحتة تانية في المخازن وبعدين جه مدير عام صاحبه قوي أول حاجة عملها أنه بالرشاوي والهدايا رجعه مدير زي ما كان، وعشان البنات بيشتغلوا بعقد 6 شهور بس يتجدد لو وافق مدير عام الهندسة، الاثنين يستغلوا الفرصة من غير ضمير مع البنات ضد الأصول والدين والقانون، وبعدين جه خطيب بنتي وهو مهندس كبير بالمراكب، وكان غلبان زي حالنا وبعدين لقيته بيجيب هدايا بهبالة وكتير قوي وبعدين اشترى عربية بلونور (بولونيز) قلت: منين الفلوس دي كلها؟ ضحك وقال: شيلنى وأشيلك، فقلت: يعنى ايه، مخدرات؟ ضحك وقال: لا أنا باشتغل في مراكب البحر الأحمر ومفتش هندسي (...) مريض بالفلوس، وكل حاجة النص بالنص وكل الهدايا لما بطلبها بيكون جايبنها، وكل الإصلاحات أو أي حاجة عايز أشتريها من بره وكله بثمنه. قلت له: مش فاهمة. قال: مدير عام الهندسة جاهز وبيوافق على اللعب ما دام شيلني وأشيلك. فقلت: بس ده مال حرام ده مال حرام والمراكب والناس اللي فيها ممكن يجرا لهم حاجة. ضحك وقال: هو حد حاسس أو شايف؟! ما هو المراكب بتتعطل وأدي مركب الطقم محبوس في ألمانيا علشان الحاجات لما ركبوها كانت خسرانة، والسرقات شغالة على ودنه، هو أنا بس؟! تعالي شوفي زمايلي عندهم عربات وفلوس وعمارات زي الرز، والبركة في المدير الجديد. وحضرتك يا دكتور هل يرضيك قلة الشرف والنصب ده وفين المباحث والوزير، أنا ح افك خطوبة بنتي لأن ده مال حرامي بس ما اقدرش أخليها تسيب الشغل لأنها بتصرف علينا وأبوها ميت، بس هي خايفة ليجبرها على الرذيلة أو يضحكوا عليها وتبقى فضيحة، أرجوك احمينا قبل ما تقع الفاس في الراس، السلام.
الحاجة أم هاشم
بلوك المساكن الشعبية (...)
إني آسف أني أخفيت عن عمد بعض التفاصيل والأسماء، ولكن الخطاب عندي وتحت تصرف السيد سليمان متولي وزير النقل والمواصلات.
ولكن حتى وزير النقل لن يستطيع حمايتك يا سيدتي؛ فالفساد قد استشرى في بعض القطاعات إلى درجة يعجز أي وزير بشري عن إيقافه.
بل وأنا أرفع هذه الكلمة إلى الرئيس محمد حسني مبارك لا أرفعها نيابة عنك وإنما أرفعها نيابة عن كل سكان البلوكات والعرب والقرى والشقق، عن كل الذين لم يدخلوا بعد في «اللعبة»، عن الذين لا يزالون يصرون أن يعيشوا بشرف وفي شرف، عن الخائفين على أولادهم وبناتهم من عصر قادم يأكل الناس فيه بعضهم بعضا ويتحولون إلى ذئاب بشرية لا ترحم أحدا.
نعم الفساد يا سيادة الرئيس موجود بشكل ويأتي في الإدارة الحكومية والقطاع العام وحتى الخاص، وهو فساد لست أنت صانعه، إنما بلاء حتى في ظل الثورة وحكم الرئيس جمال عبد الناصر؛ فلقد سمعته مرة في خطاب عام يقول: إنني حينما أضع ميزانية لمشروع أعرف أن 10٪ على الأقل منه ستذهب سمسرة وسرقات. ولقد روعتني هذه الكلمات حقا أن يصرح رئيس الجمهورية بأنه غير قادر على إيقاف السرقات، وأي رئيس جمهورية، وجاء عصر ما بعد عبد الناصر لتزيد ال 10٪ أضعافا مضاعفة.
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن قلب مصر الحقيقي يا سيادة الرئيس لا يزال سليما وضميرها لم يدخله الغش بعد، والحاجة أم هاشم ليست سوى قطعة مجهولة من ذلك الضمير الذي أعلم أنه موجود وأنه حي وأنه قادر. نعم إن الخير لا يزال في مصر أكثر بكثير من الشر، كل ما في الأمر أن الخير ضعيف جدا؛ لأنه خير الذين لا صوت لهم ولا مال، والشر عال مشهور؛ لأنه شر المزودين بالمال والمشترين للذمم. تصور يا سيادة الرئيس أن المرأة القادرة الحديدية لا تزال تحيا في مصر، وتذهب إلى أي سوبر ماركت وتشتري وينحني لها كل الموظفين، مع أنها مطلوب القبض عليها ومقدمة للمحاكمة وهاربة؟ إنها تستطيع وقادرة أن تشتري حريتها حتى لو حكم عليها بالسجن المؤبد لأنها تملك المليارات.
وفي خطبك يا سيادة الرئيس توجه نقدك اللاذع لصحف المعارضة، والمعارضة السياسية لبعض خطواتك، ولكني أرجوك يا سيادة الرئيس، ولو من أجل أولادك الذين سيحيون في هذه الذات المصرية، أن تري العين الحمراء مرة لهذا السرطان المستشري في الآلة الحاكمة المصرية، أن تتحرك أجهزة التفتيش والقبض والتقديم للمحاكمة، أن يعاقب كل مختلس أو تعاقب إدارة بنك أقرضت بغير مستندات، أن يحدث شيء، أي شيء، يوقف هذا الزحف الشيطاني الكاسح.
وإلى أن يحدث هذا، فيا سيدتي الحاجة أم هاشم حسنا ما فعلت بفسخ خطبة ابنتك، وثقي أنها لن تمس، بشعرة، ولو حدث، فسأحمل أنا بنفسي القضية إلى السيد وزير النقل وربما إلى النائب العام.
الخروج إلى الشمال
بلا سبب واضح أحسست أن روحي قد بلغت الحلقوم، ولا يتسرع القارئ ويتصور أنها حالة سببها الأحوال العامة التي تجتاح مصر هذه الأيام، فأنا أعرف أنها أحوال عارضة تماما، وأن سببها أيضا مثل السبب عندي يرجع إلى حالة من الزهقان الغريب، التي قد تدفع لأي تصرف، من إطلاق الرصاص، إلى إطلاق السباب ومن الحكومة والمعارضة على حد سواء.
وليست هذه الحالة وليدة اليوم أو هذا الأسبوع، بل إنها كانت تنتابني وأنا في طريقي للاجتماع الذي عقده الرئيس حسني مبارك مع الكتاب والإعلاميين، والحق أن الرئيس حسني مبارك فاجأني، كما لا بد فاجأ الحاضرين جميعا، فيومها صباحا أو فجرا، كان خبر إطلاق الرصاص على صديقنا العزيز مكرم محمد أحمد قد استفزنا جميعا، نحن الذين لا نملك سلاحا للدفاع أو الهجوم إلا أقلام حبر متواضعة. وكنت أتصور أن الاجتماع سيكون محوره هو هذا الحادث الفريد في تاريخ مصر، وأن الرئيس سيكون في روح معنوية مكتئبة لا بد. ولكن الرئيس بدأ كلامه معنا وهو في روح معنوية عالية لدرجة أني وجدت نفسي أول الأمر في حالة استغراب كامل، وقلت: ربما الرئيس يريد أن يزيح عن عيوننا ووعينا هذه السحابة الداكنة. ولكنه لم يكن يفعل هذا، كان فعلا يتحدث حديث مصري ابن بلد، يرى المشاكل في حجمها الطبيعي أو حتى حجمها المصغر حتى يحس أنه أكبر منها، ويرى المستقبل أكيدا وقادما، ومزدهرا ولا ريب فيه ولا شك. والحق أن حديثه هذا عدانا فما لبثنا أن أجلنا انفعالنا بما وقع وانخرطنا في نقاش حول مشاكل مصر الكبرى معه. ولقد تخيلت وأنا أستمع وأناقش أن هذا الرجل هو بالضبط ما تحتاجه مصر ليقودها في هذه الأيام، حمدا لله أنه ليس في عصبية هذا أو عدوانية ذاك، وأن باله طويل طويل، وأعرف أن هناك مثلا شعبيا يقول: طول العمر ينيل الأماني. ويبدو أن الأمر كذلك أيضا في مسألة طول البال، فربما طول البال هو الذي سيضع الجسر الذي تعبر عليه مصر من أزماتها، ولكني - وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من هذه الصراحة - أحس أن طول بال الرئيس أطول كثيرا مما يجب أحيانا، على الأقل أطول من استطاعتنا نحن كشعب وككتاب على طول البال، وربما هذا هو الخلاف الوحيد بين بعضنا وبين الرئيس مبارك، خلاف «كمي» في طول البال، وأبدا ليس خلافا «كيفيا» على حل المشاكل.
أقول: وجدت نفسي في الأسبوع الماضي في تلك الحالة التي ذكرتها لكم عن «الزهق»، ب «الصدفة» المحضة كنت أقرأ مقالة صديقي الكبير الأستاذ خالد محمد خالد في الوفد، فوجدته يتحدث عن نفس الحالة من الزهق، وأنها ألجأته إلى التاريخ، وبالتحديد إلى قصيدة شوقي في رثاء أدهم باشا التركي، كانت تغريبة إذن، تغريبة تاريخية ليتخلص من حالة الزهق، ولكن لأن التاريخ يزيدني زهقا على زهق، فقد آثرت أن تكون تغريبتي جغرافية.
وهكذا ركبت العربة ومعي العائلة وانطلقت شمالا، ولم أذهب إلى الإسكندرية هذه المرة، اندفعت غربا إلى ما بعد الإسكندرية، كانت جغرافية مصر الشمالية تنتهي عندي حول العجمي والمكس والدخيلة، هذه المرة قلت لنفسي: سأظل أسير في هذا الطريق المزدوج الجميل إلى أبعد مدى ممكن أن أصله. وفعلا هو طريق مزدوج وجميل؛ فإلى سنين قليلة، ربما إلى العام الماضي فقط، كان طريقا من أسوأ الطرق في مصر ضيقا مكدسا بعربات النقل هائلة الضخامة والكارو والمارة والصيادين وفناطيس الغاز وكل ما يخطر على قلب بشر ... هذه المرة وجدت اتجاهين حديثين جدا، ربما انتهي منهما هذا العام فقط، وكنت أتصور أن مجلس إسكندرية المحلي هو الذي فعل هذا، لكن عرفت من الأستاذ عبد الله محمود رئيس مشروعات الشاطئ الشمالي أن وزارة الإسكان والمجتمعات الجديدة هي التي قامت بإنشاء هذا الطريق. والحق أني كنت أسمع كثيرا عن وزارة الإسكان والمجتمعات الجديدة، ولكن ربما لأني كنت أحيا في القاهرة المخنوقة المزدحمة كنت أحس أنها وزارة تكاد تكون وهمية أو نظرية على الأقل، ولكن حبي للسفر جعلني أبدأ أرى آثار تلك الوزارة وذلك الوزير النشيط المهندس حسب الله الكفراوي من مدينة 6 أكتوبر إلى العاشر من رمضان إلى السلام إلى الصالحية إلى المشروعات الجديدة، في تلك التي وجدت محافظا عسكري القدرة على التخيل والتنفيذ اللواء يوسف عفيفي بمشروعاته السياحية في منطقة البحر الأحمر، ناهيك عن المشروعات في محافظتي شمال وجنوب سيناء، هذه كلها جعلتني أعتقد أننا انكفأنا على مدننا القديمة ومشاكلها بطريقة جعلتنا لا نكاد نرى العمران الذي يحدث في أماكن من مصر لم نلتفت لها قبلا وكأننا لا نعتبرها جزءا من مصر أو أنها ملكنا.
هذا الساحل الشمالي مثلا صحيح أن الأجانب والدبلوماسيين هم الذين اكتشفوا فكرة مصيف العجمي، حيث يستطيع الإنسان أن يتحرر تماما من ملابس المدن ونفاق المدن ويترك نفسه للشمس والبحر والهواء الجميل والطبيعة وسواحل هي أجمل - أجمل شواطئ العالم - وقد زرتها كلها من ميامي بيتش إلى بلاجات تايلاند، وكابري ونيس ... هذا النوع من الرمال، هذا الانحدار التدريجي نحو الماء، هذا اللون الأزرق الفستقي لمياه البحر، هذا كله لا يمكن أن نجده إلا في شواطئ البحر الأبيض الجنوبية وأجملها جميعا الشواطئ المصرية من مرسى مطروح إلى أن تبدأ ضواحي الإسكندرية ... ومن المضحك هنا أن نذكر أن شاطئا رائعا كشاطئ مرسى مطروح لم نكتشفه إلا عن طريق السينما وعن طريق فيلم ليلى مراد الشهير شاطئ الغرام، ولولا هذا الفيلم، ولولا السينما، والآن لولا التليفزيون لما زادت معلوماتنا عن بلادنا عما كنا قد قرأناه عنها في كتب الجغرافيا.
المهم بدأت الرحلة زهقان كما قلت ويا للأثر الساحر للطبيعة في تغيير معنويات الإنسان ومزاجه، كان أحد أسباب زهقي لا بد هو ضيق الفتحة التي نرى منها حاضر مصر ومستقبلها وواقعها ... ونحن نرى هذا كله من خلال وسائل إعلامنا، ولأن تلك الوسائل قد ضاقت نظرتها هي الأخرى حتى ليكاد الإنسان يحفظ ماذا ستحتويه كل صفحة من صفحات الجريدة، وماذا سيكون عليه البرنامج في كل ليلة وفي كل قناة من قنوات التليفزيون، حتى برنامج «خمسة سياحة» رغم جمال فكرته وتنفيذه وتقديمه، إلا أن هذا البرنامج لا يجعلني «أعيش» المنطقة التي يتحدث عنها، وأشمها وأفتح صدري لهوائها وتاريخها وأستنشقه، لماذا يكون «خمسة» أي خمس دقائق كل يوم لا تكفي حتى ليتعرف الإنسان على كنه المكان؟ لماذا لا يكون برنامجا أسبوعيا معدا إعدادا جميلا وحافلا بالمعلومات وبالإخراج المتقن للطبيعة وللناس وللآثار إن وجدت. هذا الساحل الشمالي، بودي لو كان معي كاميرا فيديو لأصنع للناس شريطا كاملا لل «خروج»، الخروج من الوادي الضيق والمدن المكدسة والأحياء الشعبية المعلبة بسردية البشر، هؤلاء الناس جميعا لو رأوا بلادهم على حقيقتها أو على اتساعها، لو رأوا كم تمتد شواطئها كم ونوع الحياة الكامنة في صحرائها، لو رأوا مشروعات الوزارة في واحة سيوه مثلا، هل عندنا فيلم تسجيلي كامل لكل واحة من واحاتنا؟ فيلم «فتي» يقوم به مخرج كبير كصلاح أبو سيف أو علي بدرخان أو علي عبد الخالق أو العظيم يوسف شاهين ...؟
অজানা পৃষ্ঠা
أجل، الخروج ليس من الأزمة ولكن من الوادي الضيق للأزمة، ذلك الذي طالما نحن محشورون فيه فإننا أبدا لا يمكن أن نرى الحل من خلال نظرتنا التي ضاقت به وضاق بها.
لقد رحت أحلم والعربة تنساب فوق الطريق الطويل، لا أحلم فقط بمستقبل القرى السياحية من مارابيللا إلى مارينا، لماذا هذه الأسماء الإيطالية؟ إلى مدينة وزارة الخارجية إلى المشاريع الخاصة - بالمناسبة هناك مدينة سياحية للصحفيين موجودة في مكان ما على الشاطئ الشمالي وحصلوا من كل منا ألف جنيه وزيادة كوبون، ولا يوجد لها من أثر لا في الحقيقة ولا في الخريطة - أقول: رحت أحلم بشيء كالذي صنعته اليونان بشواطئها الصخرية الناتئة؛ فلقد عقدت اليونان صفقات رابحة مع شركات عالمية لإنشاء سلسلة من أجمل الفنادق والمنتجعات على جزرها المتعددة، وإيراد اليونان من هذه المشروعات هائل الضخامة؛ فقد كنت في جزيرة صغيرة من جزر اليونان اسمها «كورفو» وعددت 85 رحلة طيران في الليلة الواحدة منها وإليها، وشواطئ هذه الجزيرة «مصنوعة»، أي إن الرمال منقولة لها من قاع البحر؛ فما بالك برمالنا وشمسنا ومياهنا الفستقية الطبيعية؟!
إني أرجو أن يكون مشروعا أساسيا من مشروعات مصر للمستقبل العاجل والقريب، أن ترصد ما لا يقل عن المليار جنيه لمشروعات الساحل الشمالي لتزويده بشبكة أدق من الطرق والكهرباء والمياه والمطارات، وإني متأكد من أن هذا المليار الواحد يستطيع على مدى السنوات العشر القادمة أن يسدد عشرين مليارا من ديون مصر الخارجية وأن يحيي «بلدا» كاملا من جغرافية مصر المهملة اسمه الساحل الشمالي ... شكرا لهذا الوزير الذي أنشأ ميناء دمياط وأحيا الساحل الشمالي وعمل المثير في صمت ودون إعلانات مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة، ولا أشكره فقط على هذه الأعمال الكبيرة، ولكني أريد أن أشكره لسبب شخصي ذاتي محض؛ فقد خرجت من القاهرة متجها شمالا وروحي قد بلغت الحلقوم وعدت إليها وقد ردت إلي الروح رغم أني لم أمكث في الرحلة كلها أكثر من أربع وعشرين ساعة.
برقية طويلة لمدحت عاصم
أستاذي وصديقي ومعلمي في الوطنية والفنية والتقدمية مدحت عاصم ... نعم كما قلت لقد كان شرفا أن ألقاك طالب طب يخجل من خياله، وأنت الموسيقار المشهور ملء السمع والبصر، وأخذت أستمع لك في منزلك في العباسية وأنت تعزف سوناتا ضوء القمر لبيتهوفن ثم قطعة موسيقية لك، وكنت أول مرة أستمع فيها إلى موسيقار كبير مصري يعزف على البيانو، من يومها وتلك العلاقة الفنية الوثيقة التي بنيت على أسس وطنية وثورية وألفة شخصية تثري حياتي وتجعلني كلما رأيتك أرى أن مصر لا تزال بخير.
قرأت كل ما كتبته ردا على «نقدي» للتليفزيون، واعتبارك أن ما قلته كان تحاملا مني على برامجه وعلى الجهود الكبيرة التي يبذلها الكثير من أبنائه مع رئيسته ومسئولي قنواته.
وأذكر لك أيها الصديق العزيز أني أستطيع أن أزعم - في هذه النقطة بالذات - أني أكثر منك اتصالا بالعمل اليومي في التليفزيون، وما يتطلبه من جهود خارقة ويقظة وانتباه لنملة الخطأ إذا حدثت.
ولكنك ظلمتني وأعتقد أنك ظلمت التليفزيون أيضا؛ فأنا لم أكتب ل «أنقد» برامج التليفزيون، صحيح أني قلت إن معظمها «هلس» وكنت أعني بالهلس هنا اللعب على تسلية الجمهور ونفاق طلباته من مسرحيات معادة وكوميديات لا تضحك إلا الأبله أو المتخلف عقليا، وآخرها مسرحيات عبقري العباقرة محمد نجم، ذلك الذي ظللت - والله - أتفرج لمدة نصف ساعة عليه وهو يحاول استدرار الضحك من جمهور غلبان مسكين فرض عليه فرضا، وأنا مذهول كيف يمكن أن يسمح التليفزيون بعرض هذا التخلف على الناس؟! وأيضا أنا هنا لا أنقد، فهكذا هي الحركة المسرحية للقطاع الخاص، وهذا هو المسرح في نظر البعض.
إني إنما كنت في الواقع أتحدث عن التليفزيون ك «جهاز» أصبح دوره في كل أنحاء العالم هو الارتفاع بمستوى تفكير وذوق وأحلام الإنسان العادي؛ فزمان كانت الثقافة لا توجد إلا في الكتب وكانت هي التي ترفع الذوق والمعرفة والذكاء، ثم انتقل هذا الدور إلى الصحف ثم الإذاعة، وأخيرا هذا الوحش الإعلامي الثقافي العلمي الترفيهي التليفزيون.
وإذا كان التليفزيون كوسيلة تعليم وإعلام مهما جدا في بلاد العالم الأول فهو قد أصبح بالنسبة للعالم الثالث الذي نحن منه مسألة حياة أو موت، بمعنى أدق مسألة حياة روح هذه الشعوب أو قتلها واستعمارها ثقافيا وفكريا وحضاريا.
অজানা পৃষ্ঠা
ولهذا كنت حريصا في كلمتي عن التليفزيون على القول إني لا أنقد برامج هذه الأيام ولا دور التليفزيون هذه الأيام، وإنما أنا أذكر دوره منذ إنشائه وقيامه وإلى الآن، وهو دور كان ولا يزال إلى حد كبير يمثل دور «البلياتشو» الذي يزغزغ الناس ويرفه عنهم ويضحكهم، وكنت أريده إلى جانب هذا أن يقوم بدور المعلم، المعلم لا بالتلقين وإنما بالإمتاع ودور المثقف ليس فقط ببرامج الأستاذ فاروق شوشة المتخصصة الشيقة، وإنما ببرامج كلها ثقافة ولكنها لا تخيف الناس بقولها إنها برامج ثقافية، وإذا أردت أن تعرف ما أعني بالضبط فإني أرجو من التليفزيون - إن استطاع - أن يسجل يوما بأكمله من إرسال التليفزيون البريطاني، أو حتى الهندي، وأن يذيعه علينا مترجما لنرى الفارق.
نعم، إن التليفزيون هو أخطر وسيلة اكتشفتها البشرية إلى الآن في صناعة وصياغة الرأي العام وحتى المواطن الخاص، والتعامل مع هذا الجهاز يجب أن يتم من منطلق الإدراك التام لخطورته الشديدة، فنحن مثلا لو كنا قد عملنا تحقيقا تليفزيونيا صريحا عن حالات الغش الجماعي ومع الأساتذة الذين طعنوا بالمطاوي، ومع الطلبة، لاجتثثنا هذا المرض بأكمله دون أن نذكر نصيحة واحدة؛ إذ هكذا يستعمل التليفزيون في المجتمعات الأكثر ذكاء في استعمال التليفزيون والمدركة لخطورته وأهميته، والتي تستخدمه كوسيلة عظمى للترقي والتمدن والتحضر؛ ولهذا كنت أنقده منذ إنشائه.
ولأني وجدته لم يصنع شيئا طوال أكثر من خمسة وعشرين عاما إلا أنه رفه عنا قليلا، وفي المقابل فرض علينا فكرا متخلفا وخرافات وديماجوجية، أرأيت إلى هذا العالم الذي قال منذ أسبوع مضى: إذا رأيت حلما سيئا فابصق ثلاث مرات إلى اليسار حين تصحو من النوم، وإذا رأيت حلما حسنا فابصق ثلاث مرات إلى اليمين لدى صحوك من النوم؟! أي ثقافة تلك بربك؟ أي مفهومات للحياة يرسيها هذا الجهاز؟ أي كارثة يتعلمها الطفل والمراهق والشاب الذي يأخذ ما يشاهده في التليفزيون على أنه قول لا يناقش ولا يمكن أن يشك في صحته؟
ولهذا أيضا فنحن أمام هذا الجهاز بعد ربع قرن من إنشائه في حاجة إلى وقفة لا بد تنتهي بعد نقاشنا حولها إلى وضع سياسة إعلامية تليفزيونية ثابتة، يكون الهدف منها أن نرتفع بمستوى الشعب ثقافيا وصحيا وعلميا وتعليميا خلال السنوات الخمس القادمة بمقدار لا يقل عن 50 في المائة زيادة على مستوانا الآن.
أيها الصديق العزيز ألا زلت تختلف معي وتقول إن قلمي قد «شط»؟
إننا نختنق ... نختنق
الساعة الثالثة بعد الظهر، نقطة التلاقي بين شارع الجلاء الذي توجد به الأهرام وبين شارع 26 يوليو نقطة عبثية تماما، وكأنها منتزعة من فيلم تسجيلي عن يوم القيامة:
يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه ، أو بالمعنى المعاصر يوم يفر راكب الدراجة من راكب الموتوسيكل من السائر هائما على وجهه من ديناصورات النقل الكبيرة و«التريللات» الساحبة وراءها مركبة لا تقل عنها ضخامة من عربات السوزوكي والتويوتا ورمسيس وعربات الأوتوبيس والعربات الخاصة، وأبدا لا يتوقف المرور في الاتجاهين معا، والشاطر هو الذي «يدخل» على الثاني، وقيادة السيارات بالدراع وبأعلى «سارينة» وبالخبط في الجنب أو في الاكصدامات، ويا ويل العابر على قدميه أو راكب الدراجة؛ فحياته ممكن لو لم يستعمل كل بهلوانيته وسرعته، لو كان مريضا أو كبير السن، لو كانت سيدة بدينة، ممكن أن ترتفع إلى بارئها في لحظة، والغريب أنه لم تقع حادثة دموية واحدة في هذا التقاطع طوال السنوات العشر التي أستعمله فيها عائدا إلى منزلي، وليس هذا بالطبع لحسن إدارة عسكري المرور المسكين القادم لتوه من التجنيد الإجباري، وإنما لأننا نحن القاهريين قد علمتنا سنوات التدفق السكاني والازدحام غير البشري أنماطا كثيرة للسلوك البهلواني والاتكالية والضرب عرض الحائط بمخاطر عبور الشوارع والميادين، ناهيك عن القدرة على النفاذ بين عربتي نقل مخيفتين أو عربتي أوتوبيس تكادان تتلاصقان بحمولتيهما البشرية الضخمة، المهم أني لا أكتب هذا انتقادا لحركة المرور في هذا التقاطع؛ فقد كان مفروضا أن تحل من زمن كبير، وكان مفروضا أن يكون أول نفق تحت الأرض ينشأ في مصر أن ينشأ في ميدان الإسعاف ويشمل بالتالي تقاطع الجلاء مع 26 يوليو؛ فتلك المساحة، أو اللامساحة، هي أكثف حركة مرور في القاهرة كلها.
ولكن بما أن القاهرة الجديدة كلها قد نشأت عشوائية بلا أي استعانة بعلم تخطيط المدن، وهو من أهلم العلوم الهندسية وموجود في كلياتنا، ولكن كل خريجيه بلا استثناء يهاجرون إلى البلاد التي تخطط مدنها فعلا، لدرجة أني قابلت مرة ثلاثة مهندسين حاملين للدكتوراه في تخطيط المدن يعملون في مدينة بوسطن الأمريكية، واحدة من أجمل مدن العالم تخطيطا! بينما قاهرتهم في مجاعة شديدة لهذا النوع من المهندسين، ولكن شئوننا البلدية والقروية لم تكن تحفل بالتخطيط، وحين انتقل الأمر إلى محافظة القاهرة وإلى رؤساء الأحياء فسدت الأمور أكثر وأكثر، ولولا أن قيض الله أخيرا للقاهرة محافظا واسع الأفق والتفكير، عارفا وقادرا على عمله بلا أي كلل أو تقاعس هو اللواء يوسف صبري أبو طالب، وبدأ يذيقنا بلمساته معنى أن تكون المدينة مخططة، وأن يكون لكل حي حديقته، ولم يبق إلا أن يعود لكل شارع أرصفته ولكل عمارة أمكنة انتظارها.
أقول لا أكتب هذا انتقادا لحركة المرور في تقاطع الجلاء-26 يوليو، ولكني أكتبه للمنظر الذي رأيته وشممته واختنقت به، ولا أزال أفعل كل يوم الساعة الثالثة كما سبق وقلت، وحركة المرور على أشدها، موظفون عائدون راكبين وراجلين وأوتوبيسات سردينية المحتوى هرقلية الحجم والجثير وعربات نقل ... إلى آخره. كنت واقفا في إشارة المرور، احتراما للإشارة التي لا يريد أحد أن يحترمها، أحاول أن أرى من خلال زجاج السيارة إن كانت الإشارة فتحت أم لا تزال حمراء، وفجأة تبينت أن هناك ما يشبه العاصفة الرملية أو الترابية بالكاد أستطيع أن أرى من خلالها، وفتحت زجاج السيارة لأرى المنظر على حقيقته، وكم روعني ما رأيت، فلا يوجد ماسورة عادم لعربة أوتوبيس أو نقل أو ميكروباص أو تاكسي قديم إلا وهي تنفث نافورة أفقية من الدخان نتيجة اختلاط كيروسينها بزيتها أو بديزلها، دخان دخان دخان، لا يملأ الجو فقط، ولكنه يخنق التنفس، ويثير مع التراب الكثير الذي يحفل به الشارع سحبا متجمعة متضاربة منتشرة إلى الجوانب وإلى أعلى واصلة إلى كل حلق وفتحة عين.
অজানা পৃষ্ঠা
يا إلهي، لكأنني في قاعة فرن فلاحي قد سدت منافذها وأغلق بابها، وقد امتلأت بدخان الحطب المندي.
ربما الذي دفعني للإحساس بذلك المشهد المهول الذي لا يمكن أن يحتمله أحد هو أنني كنت عائدا لتوي، ليس من لندن أو باريس، وإنما من قلب أفريقيا، كينيا، وتنزانيا، والصومال، وأفريقيا بلاد أفقر منا بكثير، ومعظم شوارع ممباسا أو دار السلام ليست مرصوفة وإنما هي مسواة على حالها الترابي، ولكن ليس هناك تلوث بمثل هذه الكثافة الخانقة. أذكر أني كنت في نيروبي، وكنت في طريقي لاتحاد الكتاب الكينيين وكنت أستقل عربة تاكسي، وكان سائقي اسمه إيليا، وكان مسلما، ولما سألته عن هذه المعادلة الغريبة، قال لي: في عهد الاستعمار لم يكن يسمح بدخول المدارس إلا للمسيحيين فقط؛ ولهذا كان كثير من المسلمين يسمون أولادهم بأسماء مسيحية، كاثوليكية في الغالب، ليمكنهم دخول المدارس، وأنه بعد جلاء الاستعمار بدأت كثرة من تلك العائلات في العودة إلى تسمية أبنائها بأسماء إسلامية.
لا أريد أن أطيل، فأثناء دردشتي مع السائق بدأت العصبية وكثير من الغضب يحفل بهما صوته، ثم نطقها وقال: هذا السائق الملعون، ونظرت فرأيت أمامنا سائق عربة نقل، وكانت العربة هي الوحيدة التي «يفوت» موتورها وينفث دخانا نتيجة اختلاط الزيت بالبنزين داخل المحرك، تلفت حولي فإذا بنا نسير داخل غابة خضراء يانعة يقطعها هذا الطريق الرفيع، والغابة كما نعرف تولد الأكسجين، ومعظم كينيا وشرق أفريقيا غابات خضراء شاسعة، ومع هذا، ونظرا لاحتمال زحف التصحر، من الصحراء، مع سنوات الجفاف الطويلة، فقد بدأت كينيا منذ ثلاث سنوات مشروعا اسمه مشروع الشجرة؛ إذ يزرعون كل يوم مائة شجرة جديدة، داخل بلاد تحفل بغابات وغابات من الأشجار، كل هذا خوفا على البلاد والمدن من تلوث الهواء.
وصل الغضب بإيليا أقصاه، وبدأ محاولات خطرة مستميتة لكي «يعدي» عربة النقل التي تنفث دخان الزيت وهو يصرخ: تلوث ... تلوث ...
هذا السائق البسيط يرعبه هذا التلوث، ويعرف معناه بالإنجليزية في بلاد لا تكاد تحفل بأية آثار للتلوث؟! المضحك أني عرفت من سفيرنا في كينيا الصديق محمود عثمان أن في كينيا بعثة لدراسة البيئة والتلوث يرأسها الدكتور مصطفى، واحد من أعظم خبراء البيئة والتلوث في العالم، وموفد هو والبعثة لدراسة التلوث في حديقة أفريقيا، كينيا.
أليس هذا ظلما يا إلهي ما بعده ظلم؟ يعني ننتج نحن الشعب المصري أكبر خبراء العالم في التلوث، وتحفل قاهرتنا الحبيبة بأعلى نسبة للتلوث في العالم إلى درجة أنها وصلت في بعض الأحياء، وبالطبع لا بد أنها كذلك في تقاطع 26 يوليو مع الجلاء، وصلت إلى درجة ألف في المائة من الحد الأعلى للتسمم التلوثي.
كل هذا ونحن نتنفس التلوث ونبتلع الذرات الخانقة، وتمتلئ رئتنا بعادم النقل والأتوبيس، والمرور لا يفتش أبدا على العادم، يكفيه البوية ورقم الشاسيه والموتور، ويتم الكشف على المركبة، بينما العادم يترك ليضخ في شوارعنا وصدورنا ملايين الأمتار المكعبة من الزيت العادم، ناهيك عن التراب وبقية ما تثيره الرياح من قاذورات، كل هذا وثمة مؤتمر للبيئة، مؤتمر عظيم مهول أسفت تماما أنني لم أتابعه بنفسي شخصيا، انعقد خلال بضعة الأسابيع الماضية لدراسة التلوث البيئي في مصر، وتلوث مياه النيل، والتلوث الصوتي الناتج عن استعمال الميكروفونات وبقية الضجات الصادرة من الشارع المصري بطريقة لا يمكن أن تحتملها أي أذن بشرية، وإذا احتملتها فلا بد أن تصيب العقل الذي يسمعها بالصمم أحيانا، وبارتباك الوظائف وبالانعدام التام للقدرة على التركيز أو إنجاز النشاطات العقلية الواجب القيام بها.
لهذا أنت ترى المواطن في شارع القاهرة ثائرا يلهث من قلة الأوكسجين، تائه الوجهة والتركيز من ضجة الأصوات والميكروفونات، سريعا ما يصيبه الكلل والتعب، نافد الصبر، بطيء الحركة، مصابا بما أسميته «التولة» غالبا ما ينتهي أمره إلى كلفتة عمله، أو الانهيار جلوسا على قهوة، أو أمام مكتب وارم القلب والعقل يلهث بلا تعب ويعرق بلا أي مجهود، ويقصر عمره ويزداد وزنه من قلة الحركة والنشاط؛ فهو يعيش في جهنم مليئة بالتلوث، والدخان، والغبار، والضجة الخرافية تحاصره ولا حفنة من هواء نقي، أو هدوء، يستطيع معها أن يلتقط أنفاسه أو أنفاس عقله، ويعود كائنا بشريا يصلح بما يصلح له أي كائن بشري في أي مكان آخر من العالم.
لقد أصبحت الحياة في قاهرتنا الحبيبة مع كل ما تحفل به من تلوث في الجو وفي الماء وفي الأصوات، أصبحت معجزة العالم الثامنة لا بد، فإني لأكتب هذا وأتساءل: كيف بالله ما زلنا نحيا؟
وأعقبه بتساؤل آخر موجه إلى حكومتنا: كيف تحكمين الناس والبلاد وهي تحفل بهذا الكم من التلوث؟
অজানা পৃষ্ঠা
لماذا الطب مقدس؟
حسن جدا بادرت بفعله نقابة أطباء القاهرة والنقابة العامة للأطباء من إحالة الدكتور أحمد شفيق إلى مجلس تأديب لخروجه على المادة الثامنة من آداب مزاولة مهنة الطب؛ ذلك أن مهنة الطب لها وضعها الخاص بين مختلف المهن التي يزاولها الإنسان؛ فالطبيب ليس مجرد مهني آخر يزاول مهنة أخرى كالهندسة أو التدريس، الطبيب مهنته صيانة روح وجسد الإنسان، وأنت حين تذهب للطبيب تسلم نفسك تماما له، بحيث تؤمن تماما بما يقول، وتستسلم لمبضعه إذا شاء أن يجري لك عملية جراحية، ممكن في أثنائها أن يصنع بجسدك ما يشاء. كذلك إذا ذهبت إلى طبيب نفسي، أنت تدلي له بكل الأسرار التي لا تستطيع أن تدلي بها لأخيك أو لصديقك أو إلى أعز الناس وأقربهم منك؛ إذ أنت تعتبره الأمين أمانة عظمى على كل هذه الأسرار؛ ولذلك فكل المهن من قديم الزمان كان ممكنا أن تزاولها بمجرد الحصول على مؤهلاتها ما عدا الطب، فلا بد أن يقسم قسم أبو قراط أبو الطب في مزاولة عمله بمنتهى الأمانة والمسئولية والصدق والمحافظة على مريضه والعمل بكل ما يملك على شفائه. قسم أبو قراط هذا شيء رمزي محض يرمز إلى جعل الطبيب الشاب يحس بأهمية وخطورة المهنة التي سيبدأ في مزاولتها، بل يحس تجاهها بنوع من القداسة والتبجيل. وأذكر ونحن في المدارس الابتدائية أنه كان مقررا علينا في كتاب المحفوظات قطعة تتحدث عن الطبيب ما زلت أذكر إلى الآن منها هذه الفقرات: رعاك الله يا رسول الرحمة، ومنقذ المرضى، وملجأ الملهوف؛ إن يدك التي تطيب المريض ليست كأيدينا، ومشرطك الذي يعالجه ليس مبضعا، وإنما هو إصبع ملاك حارس يجتث العلة ... إلخ.
من أجل هذا تحاط مهنة مزاولة الطب بكل الاحتياطات التي تمنع بعض الأطباء الشاذين - وليس كل الناس أسوياء - من استغلال جهل المريض أو عدم إدراكه حقيقة مرضه أو «النصب» عليه أو الاحتيال أو إساءة استعمال أسراره. وأذكر في هذا القبيل أحد «الزملاء» الأطباء، زمان، كان يعمل في قرية وكانت لديه ثلاجة تضيء إذا فتح بابها كالعادة، فكان يقول للمريض: تعال أعملك إشاعة. ويوقفه أمام الثلاجة فتضيء ثم يغلقه ويقول للمريض: خلاص، عملنا الإشاعة. ويتقاضى منه خمسة جنيهات إضافية مقابل تلك الإشاعة. وكثيرة هي أمثلة النصب والاحتيال، ولكن المهنة في مجموعها والأطباء في مجموعهم، وحسب خبرتي حتى كمريض، أناس يحتلون أعلى المقامات بالذمة والأمانة والانضباط.
ولهذا يحاط أيضا، استعمال أي عقار جديد، بضمانات شديدة الدقة خاضعة تماما للأصول العلمية؛ حتى لا تنقلب المسألة إلى فوضى ويصبح أي طبيب حرا في أن يجرب على مرضاه كل ما يخطر على باله من أدوية يخترعها أو يدعي أنها جديدة. لا بد من إقرار أي دواء جديد بواسطة الجهات العلمية المختصة، ثم بعد هذا ترخص وزارة الصحة باستعماله ويعطى رقم ترخيص، وأي طبيب يستعمل عقارات أو كيماويات غير مرخص باستعمالها عقوبته السجن، وليس مجرد الإنذار أو التأديب.
أما أن يؤدي هذا إلى تثبيط همم الأطباء الذين يريدون أن يخترعوا أو يبتكروا فهذا قول ساذج تماما وغير صحيح بالمرة؛ فباب الاجتهاد والاختراع مفتوح على مصراعيه، ولكن، ومهم جدا كلمة ولكن هذه، هناك ضوابط علمية دقيقة موضوعة كلها لمصلحة المريض. إذن على الطبيب الذي يكتشف أو يخترع أن يتقدم إلى الجهة العلمية المختصة باكتشافه، ويطلب الإذن بالتجريب على الحيوانات، ومئات الجداول، ومتطلبات أخرى كثيرة تتأكد الجهة العلمية من فاعلية الدواء ومن تركيبه الكيمياوي ومن أضراره الجانبية أو عدم وجودها، ومن تعارضه مع أدوية أخرى أو عدم تعارضه. بعد هذا تأذن الجهة العلمية بالترخيص للطبيب باستعمال الدواء الجديد على المرضى - وأيضا تحت إشراف علمي دقيق - حتى إذا نجحت التجارب على المرضى يعتمد الدواء، ويسمح بالنشر عنه في مؤتمرات الطب والدوريات العلمية ويصرح لمعامل الأدوية بتصنيعه حينذاك فقط.
أما أن تواجه وسائل الإعلام، من خلف كل الجهات العلمية، بدواء جديد، فلو حدث ذلك في أي بلد في العالم لشطب اسم الطبيب من قائمة المزاولين لمهنة الطب وقدم للمحاكمة فورا؛ فالمسائل ليست فوضى أبدا، بل إن هناك في إنجلترا قواعد دقيقة لكتابة اللافتة التي تحمل اسم الطبيب بحيث لا يزيد عن العشرة سنتيمترات بأي حال، بل إن هناك مادة في قانون مزاولة المهنة في إنجلترا تمنع الجرائد والمجلات من نشر أي شكر للطبيب المعالج على صفحاتها، فإذا حدث وقبل الطبيب أن ينشر شكره فإن اسمه يشطب فورا من النقابة أو بتعبير الإنجليز أنفسهم «أي يكشط كشطا» من قائمة الأطباء.
فما بالك بعقد المؤتمرات والظهور والسهرات في الإذاعة والتليفزيونات؟! إن عودة نقابة الأطباء إلى إحكام قبضتها على أخلاقيات مزاولة مهنة الطب في ظل الفوضى الأخلاقية والذممية التي تحيا فيها، لعمل عظيم وجاد وآن أوانه بعدما كاد أن يفلت الذمام.
خطاب من راكبة أتوبيس
سلامي تحياتي
رجاء أن أحيط سيادتكم علما بالآتي: نحن صنف المرأة نعاني الأمرين في المواصلات - الزحام شديد جدا والاختلاط فيه لا يليق مطلقا، يعلم الله المواصلات بالنسبة لنا رعب - وركوب الأتوبيس بالنسبة لي أنا بالذات جهنم الحمراء. كتبت لحضرتك بالذات لأنك تستطيع أن تقدر مدى الإهانة النفسية والألم لمجرد اتخاذ الاحتياط والدفاع عن النفس.
অজানা পৃষ্ঠা
في اعتقادي هذه الجريمة تعتبر زنى واغتيالا لشرفي وديني وجنسي، يعز علي أننا في بلد بكل هذه الحضارة والتقدم والعلم والدين ولا يفكر فينا مسئول أو مسئولة؛ لأن حضراتكم طبعا بعيدون جدا عن هذا.
يعز علي أنكم تفكرون في بنات غزة اللاتي يرشقن بسهام في ظهورهن ونحن هنا نرشق بأمر من السهام، من كل جهة يوجد مجرم لعين - آسفة - ويستوي في ذلك الكبير والعجوز والطفل سنة فأكثر، المتعلم والجاهل، النظيف والوجيه والقذر، وكل طبقات الشعب بلا استثناء.
صورة لا تليق بمصر ولا توصف بكلمات أو عبارات.
لذلك أرجو أن تتكرم سيادتك وتتخذ الإجراءات مع كل من يهمه الأمر، فتفصل بيننا وبينهم في المواصلات بكل الطرق، أي أن تخصص أتوبيسات للنساء، فقط هذه الأتوبيسات تسري عليها أبونيهات الطالبات والموظفات، أي للفئات التي لا تستطيع استعمال الميكروباص؛ إذ إنه يكلفنا جنيها أو أكثر في اليوم، واسمح لي أن أقدم لك وللمسئولين اقتراحا: لقد قرأت أن هناك ثلاثمائة أتوبيس جديد نازلة تغذي الخطوط من أول مارس إن شاء الله بمعدل 60 أتوبيسا كل شهر.
فهل من الممكن تخصيص 60 أتوبيسا فقط للنساء، تعمل بالذات على خطوط ميدان رمسيس-جيزة، شبرا-روكسي، ميدان التحرير-الجيزة، شبرا-العتبة؟
ولخدمة وسط البلد المزدحم حيث الإشارات كثيرة، والفرامل كثيرة وكل فرملة من السائق الأرعن تحدث الالتصاق الهمجي الذي نتألم له كثيرا. لو جلست كل ست لانحلت المسألة، ولكن حتى هذا الجلوس لا يكفي؛ لأنه في النزول والطلوع والسير داخل كتلة الرجال أشياء لا تليق.
صدقني إنني أنزل من الأتوبيس ومن كثرة الفرامل والرج والاحتكاك أجد مفاصلي مخلعة وجسدي أشلاء وكرامتي تنزف حتى إني أحيانا أبكي.
رجائي أن ينظر في أمرنا كلنا من أجل حفظ كرامة المرأة المصرية.
ولسيادتكم جزيل الشكر مع رجاء عذري للأخطاء النحوية واللغوية فأنا آسفة، أنا مرهقة وأعصابي متعبة.
مقدمته
অজানা পৃষ্ঠা