ولعلنا ولا قوة لا بالله العلي الكبير، وبالله نستعين على ما هممنا به لكتابه من التفسير، أن نضع مما علمنا الله فيه طرفا، وأن نصف فيه من وصف الحق وصفا، نبين عنه بما يحضرنا فيه الله من التبيين، ونعتمد فيه على ما نزله الله به من هذا اللسان العربي المبين، فإن الله جعله مفتاح علمه، ودليل من التمسه على حكمه، فلا يفتح أبدا إلا بمفاتيحه، ولا تكشف ظلمه إن عرضت في فهمه إلا بمصابيحه، فعنه فاستمعوا، وبه وفيه فانتفعوا، واعلموا أنا لن نضع من ذلك إلا قليلا وإن أكثرنا، وأنا وإن بلغنا من تفسيره كل مبلغ فلن نمسك عنه إلا وقد قصرنا، وإن لكل تفسير منه تفسيرا، وإن قل تفسيره كثيرا، ولكل باب منه أبواب، وكل سبب فقد تصله الأسباب، إلا أنا سنقول في ذلك بما يحضرنا الله فهمه، وما نسأل الله أن يهبنا في كتابه علمه.
ونبدأ من تفسير كتاب الله بما نرجو أن يكون الله به بدأ، من تفسير السورة التي أمر نبيه أن يسأله فيها الهدى، وسماها عوآم هذه الأمة فاتحة الكتاب والفرقان، وقال بعضهم: اسمها أم القرآن، وذلك مما يدل من يستدل، على أنها أول ما نزل، لا كما يقول بعض جهلة العوام بغير ما دليل ولا برهان، أن أول ما نزل من القرآن: {إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق} [العلق: 1 2].
ألا ترى كيف يقول: اقرأ ما يقريك، باسم ربك الذي نزل عليك، فأخبر جل ثناؤه أن قد نزل عليه قبلها، الاسم الذي أمره أن يقرأ به فيها ولها، وأن يقدمه في القراءة عليها، ثم يصير بعد القراءة به إليها.
ألا ترى أنه لو كان ما قد قرأ، هو ما أمر عليه السلام أن يقرأ، لكان إنما أمر بفعل تام مفعول، وقول قد تقدم مقول. وإنما اسم ربه الذي أمر أن يقرأ به بسم الله الرحمن الرحيم، الذي قدم به في صدر كل سورة عند أول كل تعليم.
পৃষ্ঠা ৩২