ولاية سيواس هي من أكثر ولايات الأناضولي خضبا ومن أجودها تربة وأحسنها مرعى، لا يجد الباحث المجد في جبالها الشامخة وسهولها المنبسطة موضعا لا يصلح للزرع إلا نادرا، وإنما يختلف خصبها باختلاف أرضها، فما ينبت في توقاد وفي آماسية لا ينبت في مدينة سيواس وفي «قرة حصار». تجود تلك الأراضي بما يغرس فيها من أعواد وما يلقى فيها من بذور سوى ما كان خاصا منها بالبلاد الحارة كالتمر، وما كان أليفا بشواطئ البحار كأشجار الليمون والبرتقال والزيتون.
غير أن الزراعة في سيواس مهملة إهمالا، فلا أهلها يعنون بها ولا الحكومة ترغبهم فيها، وكم يرى السائر في أرجائها من أرض خصبة بالنبات البري تركها أصحابها عجزا عن استثمارها، وفن الزراعة عندهم مفقود، وليس في تلك البلاد أثر للآلات التي استحدثها العصر الجديد، ولا بها شيء من معدات النقل يبعثون به ثمرات أرضهم إلى البلاد القاصية.
على أن توقاد وآماسية تجودان من الفاكهة بكل لذيذ طيب، فليس على وجه الأرض تفاح مثل تفاح آماسيا، وعنب توقاد مشهور يخمر نبيذا ويقطر عرقا ويؤكل فلا يستنفد ولا يمل، وكرومها غاية في الحسن والكثرة، ولكنها لم تمتع بيسير ما جاد به الترقي العصري في أسلوبها.
حيوانات الولاية ووحوشها وأطيارها
البقر والغنم والماعز وداجنات الطيور في الولاية كثيرة يقتنيها الموسر والمعسر، اشتريت فيها بقرة حلوبا ومعها عجلها بثلاثمائة قرش، وفي ذلك دليل على الكثرة والابتذال، والدجاجات والحمامات الداجنة والبرية لا يحصيها العد. لقد كنا نبتاع الزوجين من الحمام البري بقرش واحد، وكذلك الحجل. أما الدراج فكنا نذهب لصيده ونجهد في طلبه والبط والإوز وسائر أجناس الطير أكثر من أن يعد، هذا مع تهافت الناس على الصيد في غير أوانه ومع كثرة الطيور الخاطفة كالعقبان والصقور، وجبال الولاية كثيرة الأرانب والثعالب والذئاب، وإنما تكثر ذئابها في الشتاء فهي تطوف جماعات فيشتد فتكها ويعم ضررها، وفي حراج العزيزية ونيكسار من الدب والوعل والخنزير البري ما لا يجهد قناصا. ولأهل الولاية سيواس كلف شديد باقتناء الخيل وأكثرها من الجنس القوقاسي، وأشدهم عناية بها وكلفا هم المهاجرون من القوقاس (الجراكسة)، ففي قضاء العزيزية وحده من الخيل نحو الثلاثين ألف رأس. وهذه الخيل أصلب من خيول العرب قوائم وأحمل ظهورا وأكثر صبرا على السير والجري، ولكن الخيول العربية أحسن منها أشكالا وأكرم أحسابا وأسرع ركضا وأسلس قيادا وألين متونا، وقل في الجركس رجل لا يملك جوادا أو جوادين. وقد يجد فرسان الجيش العثماني في سيواس حاجتهم من الخيل غير أنهم يجدون تربيتها صعبة المرام.
التجارة والصناعة في الولاية
لو كانت ولاية سيواس متمتعة بما تتمتع به بلاد الله من أسباب العمران لأفادت الدولة واستفادت؛ فإن أهلها ولا سيما الأرمن، منهم أهل جد واجتهاد لا يعرفون الملل ولا يعجزهم شيء، وإنهم مع ما بلوا به من الحرمان من الآلات والأدوات يصنعون لأنفسهم ما يكون لهم معوانا على الاستمرار في صناعتهم. عرفت صانعا من مهرة صناعها اسمه الحاج أوسكيهان، كان يصنع بنادق المارتيني والمسدسات فتفوق ما تصنعه مصانع أوروبا، ضربت الحكومة الحميدية على يده وقالت: أنت أرمني وربما أعتت قومك وأعددت لهم عدتهم من السلاح، فكف الرجل عن البنادق والمسدسات، وأخذ يصنع الأقفال والكوانين وغيرها، ثم اتهمته الحكومة بضرب النقود الزائفة فصادرت آلاته وأدواته وتركته يطلب قوته فلا يجده، فلما أعيته الحال فر مهاجرا إلى أمريكا، وبلغني بعد ذلك أنه بات يلعب فيها بالذهب، وعرفت صانعا آخر اسمه نورادنجيان، كان لا يحتاج آلة من الآلات إلا صنعها بنفسه، وله من المصنوعات ما يتباهى به كل محب للوطن، ولأهل سيواس مهارة تذهل عندها الألباب في صنع الخناجر والمطاوي؛ فقد فاقوا في ذلك على صناع شفيلد، غير أن مطاوي سيواس لا تشبه مطاوي شفيلد حسنا ولا شكلا. أما الخناجر الجركسية فليس في صناع الأقطار من ينافسهم فيها.
كذلك النجارة؛ فلقد اقتنيت من نفائس مصنوعات القوم ما لم أر خيرا منه، ولو تهيأ لي استحضار بعضه لفعلت، ولو رأى القارئ الكريم مهارة الصياغ فيما يصوغون من الحلي ذهبا وفضة لتناهى في تعجبه، كل ذلك يبدعونه ويجيدونه بلا آلة تذكر سوى ما لا تخلو منه كف حداد شرقي من مبرد ومحفر وما ماثلهما.
ومن جيد الصناعة السيواسية نسج الحرير. غير أنهم لا يبدعون في أجزاعه وأنماطه، أما النسيج فحسن دقيق وأما الألوان فكثيرة زاهية، فلا تروج في أسواق الغرب، وأهل أماسية وتوقاد متفردون بصناعة نسج الحرير.
أما الطنافس والسجادات فقد فاقت ما يصنع منها في بلاد الفرس جودة ورونقا، وقلت نسوة هنالك لا تحكمن نسج السجادات، هذه صناعة لا تكاد تجهلها فتاة سيواسية ولا يكاد يخلو منها بيت في سيواس، ولتلك المنسوجات منزلة في البلاد الغربية لا تسمو إليها بضاعة من بضاعات الشرق بأسره، ويبلغ عدد المصانع التي تصنع السجادات والطنافس في مدينة سيواس وضواحيها أكثر من العشرة آلاف مصنع، لا يعمل فيها إلا النساء والبنات. وقد تجد نساء القرى في هذه الصناعة تسلية إذا اشتدت أيام الشتاء وطالت البطالات. والطنافس في جودتها وبهائها درجات، فالطنافس المسماة «رشوان» هي المتفردة بمنتهى الرونق، لا ينصل لها صبغ ولا يتغلب عليها القدم، ومثلها الطنافس المنسوجة بقضاء العزيزية وتسمى صارز وإفشار، ودون هذه الأستار الكردية وتنسج بقرية «قرانلق» التابعة لقضاء «قانغال» وفي قرية «إيوالي درة» التابعة لقضاء «دارندة»، ودونها الطنافس المسماة «إيلبكلو»؛ فهي وإن أشبهت نوع «رشوان» إحكاما ولكنها لا تماثلها حسنا، وهي تصنع في ناحية «إيلبكلو» ثم تأتي الطنافس المعروفة بالمشبك وتنسج في أكثر القرى التابعة «لقانغال» و«يلديز إيلي» وغيرهما.
অজানা পৃষ্ঠা