بالفطرة الأولى ولهذا أولياء الحكمة وأبناء الحقيقة ارتاضوا بالرياضات الملطفة وعالجوا أنفسهم بالمعالجات المصححة حتى تيسر لهم الخوض في بحر المعارف الإلهية والتعمق في الحقائق الربوبية وملاحظة المبدإ الأعلى على نحو ما يستطيع المخلوق أن يلاحظ خالقه.
وليس أن الحكماء الإلهيين حيث ستروا هذه العلوم وأمروا بالكتم عنها كان ذلك منهم ضنة وبخلا كلا فإنهم لتقدسهم وترفع شأنهم عن الاتصاف برداءة الأخلاق وخباثة الملكات يتحاشون عن ذلك وإن الذين خلصت نفوسهم بصفائها عن هذه المقبرة الظلماء وحصلت لهم ملكة خلع الأبدان والارتقاء إلى ملكوت السماء؛ كيف منعوا المستحق عن حقه ودفعوا السائل عن مستحقه بل لما رأوا عقول أكثر الخلق ضعيفة جاسية مئووفة يلحقها عند ملاحظة المعاني الإلهية ما يلحق عيون الخفافيش إذا نظرت إلى نور الشمس منعوا عن إيداع العلوم صدورهم الغير الزكية وإلقائه على عقولهم الغير القوية إلا لمن يستن بسنن الحكماء ويتخلق بأخلاق الأصفياء من رفض اللذات الحسية وترك المألوفات الطبيعية لأن من لم تصف نفسه من الكدورات البدنية ولم يرتض عقله بالرياضات العلمية والعملية فلا سبيل له إلى السعادات الأبدية ولا سلوك له في المناهج الإلهية.
واعلم أن من استفتح عين عقله من رقدة الغفلات وسنة التقليدات يهتدي بالتعمق في مباحث هذا الكتاب عند تميز القشر عن اللباب إلى طريق الرشاد ومنزل السداد والصواب ويرى لطائف أفكار لا يكاد يوجد في مطاوي الكتب الكبار ودقائق أستار لم يشر إليها حكماء الأعصار.
وهذا القدر الذي سيقرع سمعك من الحكم البحثية والكشفية إذا أحكمته سهل السبيل عليك إلى ما بعده من البسط والتحقيق والبحث والتدقيق لأني أوردت فيه مخ ما حصلته من الأقدمين وورثته من نتائج أفكارهم المبراة عن الشبه والشكوك وبينت فيه لب ما أخذته من الرؤساء المعلمين من ثمرة أفكارهم الحاصلة بالسير والسلوك مع ما ألهمت به وتحدست
পৃষ্ঠা ১০৩