قال عبيد الله بن أبي رافع : دخلت إليه يوم عيد، فقرب جرابا مختوما، فوجدنا فيه خبز شعير [يابسا] مرضوضا فقدم فأكل [منه] فقلت: يا أمير المؤمنين، وكيف تختمه؟ فقال : خفت هذين الولدين أن يليناه بسمن أو زيت، وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرابس الغليظ، فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه، فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو ملح فإن ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ولا يأكل اللحم إلا قليلا، ويقول: لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوان وكان مع ذلك أشد الناس قوة ولم ينقص الجوع قوته وهو الذي طلق الدنيا، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا الشام فيفرقها ويمزقها، ثم يقول:
هذا جناي وخياره فيه
ج
إذ كل جان يده إلى فيه
وأما العبادة: فكان أعبد الناس، وأكثرهم صلاة وصوما، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، وملازمة الأوراد، وقيام النافلة ، وما ظنك برجل بلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه، وتمر على صماخيه يمينا وشمالا، فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت له كثفنة البعير لطول سجوده! وأنت إذا تأملت دعواته، ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وجلاله، وما يتضمن من الخشوع لعزته، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت.
পৃষ্ঠা ১০৬