91

মা ওয়ারা বিহার

ما وراء البحار

জনগুলি

عندئذ لم يعد لإبراهيم من مهرب، فعار عليه أن لا يحل مشكلة صغيرة كهذه، وهو لم يعودهم ذلك، ففتح فمه أولا ببطء كلي، وعيناه محملقتان، ووجهه يتطاول، وكان بطرف نظره يحدج أخاه فريدا، لهذا تلعثم قليلا، ولما تحنن الله على صبر القوم، خرجت من فيه كلمة «أظن» خمس مرات، وبين كل مرة وأخرى فرصة دقيقتين، حتى أخيرا فاض بحل المشكل طارحا عنه التردد المصنع، وقال: «إن السمار هو السامري، عزول اليهودي، ويظهر أن قائل تلك الأبيات يهودي، فيكون المعنى: أن العدو نام، وهو لم ينم، بل أرقه الألم.»

ويظهر أن فريدا في تلك الساعة، نسي أن أخاه الأكبر كان المتكلم، ولهذا استعان بكل ما في قدرته على الضحك، حين كان الكل صامتين، وعلى وجوههم سيماء الرصانة، يتوقعون القول الفصل من رب العرفان عندهم، وهذا ما دعا إبراهيم أن يستشيط غيظا من أخيه، فشتمه، ولولا حرمة الناس لكان ضربه، فانتبه فريد لأمره، وعقب ضحكاته الطويلة عبوسة فجائية، فاستصفح أخاه وأقر بأنه مخطئ، وأنه نسي نفسه لتفاسير القوم كلمة «سمار» البعيدة الصواب.

عندئذ قال له أخوه: «أنت» يا فريد مثل كل ولد يأتي من سوريا مملوء دعوى، ولا تحترم معارف الآخرين، بل تظن أن ما تلقنته في المدرسة هو كل العلم، مع أنه ينقصك تهذيب كثير. والآن «يا عيب الشوم»، دعوتنا نخجل أمام الناس، فقم بنا قم.»

وقد ألح الحاضرون على إبراهيم أن يعدل عن فكره بالرحيل، وأن يهدئ روعه قليلا، وأن أخاه سيتعلم فيما بعد، فيحسن سلوكه، ويعرف كيف يجالس الناس.

وكان أحد الحاضرين الذين فسروا الكلمة شديد الاستياء من جواب فريد لأخيه؛ بأن تفاسير القوم أضحكته، فخاطبه بملء الاشمئزاز، قائلا: «وهل عندك تفسير أحسن. أي نعم، نحن لم نتعلم في المدارس مثلك، ولكن لا أظن أن كلامنا يوجب ضحك الناس، إلا إذا كان ضحكك بلا سبب، والضحك بلا سبب من قلة الأدب.»

هنا تبدلت هيأة فريد الصغير، فقال بصوت لطيف، والحيرة آخذة منه مأخذا: «اعذروني يا إخوان على ما بدر مني؛ فأنا لم أقصد بضحكي الحط من كرامة الذين فسروا كلمة «سمار»؛ بل إن تفاسيرهم جعلتني أضحك؛ لأننا في مجلس سرور، ويجوز فيه لأي كان أن يضحك.»

أما إبراهيم فظل واقفا يشد بذراع أخيه، ليخرج من تلك الجلسة، لئلا يحدث ما يكدره أكثر. ولكن رجلا متقدما في السن أعجبه منطق فريد، فنهض باسما، وتقدم إلى إبراهيم سائلا إياه أن يعود إلى مكانه؛ لمحو أثر الخلاف، خوفا على خاطر الصغير القادم من البلاد؛ فقد شعر بنفسه أن فريدا انكسر خاطره، فاضطر إبراهيم إلى الجلوس، وعاد الرجل المتقدم في السن فقال لفريد: «يا فريد لا تزعل يا ابني، لا بأس عليك، مسألة صغيرة، لا تستحي فكل الحاضرين إخوان. أي يا ابني، اقعد، وقل لنا الآن كيف تفسر سمار، لنضحك نحن عليك، كما أنت ضحكت علينا.»

فضحك القوم سلفا على فريد، ما عدا إبراهيم، الذي كان السم يغلي في قلبه، ولكنه لم يجسر أن يعترض، ولما رأى فريد أن الحاضرين سري عنهم، تبسم وقال: «إن كلمة سمار جمع سمير، والسمير هو الذي يسهر الليل، فيكون معنى الشاعر أن الساهرين ناموا، إلا هو، فقد حرمه النوم ألم يعذبه.»

فضحك ذلك المتقدم في السن ضحكة كبيرة، وقال: «أي والله الآن أخذنا ثأرنا منك.» وضحك لضحكته الحاضرون إلا إبراهيم، الذي نهض في الحال يريد الذهاب مع أخيه، بداعي أن السهرة طالت.

تلك السهرة لم ينم فريد مع أخيه، ومنذ تلك السهرة، لم يعد يضم الأخوين اجتماع، وعندما يسأل إبراهيم عن سلوك أخيه، يهز رأسه ويتنهد قائلا: «ما أحد اشترى البلوى لنفسه مثلي؛ فقد كنت بلا هم فجئت بأخي ليزيد سروري، فكان أنه حرمني الراحة، ولكن أميركا واسعة، فالله يسعده ويبعده.» (2) في بيت الميت

অজানা পৃষ্ঠা