وشبيه صوت النعي إذا قي
س بصوت البشير في كل ناد
ولنبحث أمام ضريح من شرب «على ذكر الحبيب مدامة» فسكر بها «من قبل أن تخلق الكرم.»
ولنجل النار التي كانت تتأجج في صدر من نظر الأعمى إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم.
فهؤلاء، وقليل ممن راودت أرواحهم أحلام من عالم أعلى لجبابرة، وإن تقيدوا بقيود الخليل، فهم أكبر منه ومن عروضه. فلنمر من أمامهم صامتين، ولنتابع السير إلى حيث الدواوين الحافلة بصحيح أوزان الشعر، الناطقة بألف لسان بفضل الخليل، المرددة بألف قافية شكر الزحافات والعلل، الناظرة بألف عين، لا إلى جمال الحياة، بل إلى جمال الألفاظ والمقاطع، المصغية بألف أذن، لا إلى نبضات القلوب وخطوات الأفكار، بل إلى يد تصفق استحسانا ولسان يثرثر بالمديح. إن هذه الدواوين يا أخي، لأفصح ما كتب في الشعر وعنه؛ لأنها محشوة بما ليس شعرا؛ لذلك كلما بلاك الله بواحد منها، تتوق نفسك إلى نقيضه؛ أي تتوق إلى الشعر ؛ ولذاك قلت إنها أفصح ما كتب في الشعر وعنه.
مهلا يا أخي، ولا تكن لجوجا، ولا تسلني أن أحدد لك الشعر؛ فالشعر غير محدود، ولا يحيط به إدراكا إلا أصحاب دواويننا المكرمون، فقد قام بينهم حديثا جهبذ، جمع في مقالة واحدة 177 تعريفا للشعر عن ألسنة كثيرة - من ابن خلدون إلى ميخائيل رستم! ومن أرسطوطاليس إلى جورج ساند - فعليك بديوانه.
أما أنا فلا اطلاعي واسع لهذا الحد، ولا صبري طويل بهذا المقدار، فلنعدل عن تحديد الشعر وتعريفه. وذاك لا يمنعنا من أن نتكلم في الشعر، فتعال نتبادل الخواطر والنظرات.
هل ضحكت يا أخي في حياتك؟ وهل بكيت؟ هل ساورت أفكارك شكوك، أم سرحت في صدرك آمال، أم عصرت قلبك خيبة، أم مزق نفسك ألم؟ هل طرقت أذنك نغمة فطربت بها روحك، أم رأت عينك مشهدا فاهتز له كيانك؟ إذن لا شك تفهمني، لو سكبت أمامك دموعي، وكشفت لك صدري، وحدثتك عن آلامي وآمالي، ووصفت لك نغمة أطربتني، أو مشهدا هزني. وأنا بدوري أفهمك، وكلانا يفهم الغير.
ولو كان لك من سبيل إلى ترجمة عواطفك وأفكارك، بالصينية أو الهندية أو اليابانية أو الألمانية، لفهمك الصيني والهندي والياباني والألماني كذلك. فما هو السر في ذلك؟ ما السر في أن روحك، وهي في دمشق أو القاهرة، تستطيع أن توصل أناتها وتهاليلها إلى روح في أقاصي شمال الأرض وجنوبها، أو شرقها وغربها؟
السر يا صاحبي في أن نفسك ونفسي ونفس بطرس وأحمد؛ كلها تستقي من مورد واحد، وذاك المورد هو الحياة، وإن شئت فقل النفس الجامعة أو الله. فالحياة وإن تعددت مظاهرها، وتنوعت أزياؤها، هي هي، وجوهرها واحد لا يتغير، غير أن ما نستقيه من هذا المورد، يتنوع بمقدار الظمأ الداخلي فينا، فبعضنا إذا ما شرب من المرارة غب غب الجمال، بينا يمتصها الآخر مص العليل للدواء. وبعضنا إذا ما هزته نغمة رفعته إلى الجو، بينا يسمعها الآخر فينتفض قليلا «كالدوري» ويعود يبحث في الروث عن شعيرة يلتقطها.
অজানা পৃষ্ঠা