মা বাচদ হাদাথা মুকাদ্দিমা কাসিরা
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
يقدم فوكو مثليي الجنس والنساء والمختلين عقليا ذوي الميول الإجرامية وغير المنتمين للعرق الأبيض والسجناء باعتبارهم أمثلة نموذجية على «الآخر». وبالفعل يبدو هذا العداء والكراهية واضحين تماما في المدارس والجيوش وفي أسلوب الحكم الإمبريالي؛ ومن ثم كان الفكر ما بعد الحداثي مصدر الإلهام في كثير من الكتابات التي صيغت حول طبيعة «المواطن في العصر ما بعد الاستعماري». تتميز ما بعد الحداثة هنا بأن التحليل الذي تقدمه يعتمد على أساس لغوي، كما لاحظنا من قبل عند استعراض أفكار دريدا وبارت. وهكذا يتحول الناس إلى رموز، ويصبحون جزءا من لعبة اللغة، ومن هنا ينبع - على سبيل المثال - مقال لورا مولفاي «المتعة البصرية والسينما الروائية» الذي كثيرا ما يستشهد به ويعاد طبعه، والذي يطرح تعميما مهيبا مفرط الثقة كما يتضح أدناه:
هكذا، تلعب المرأة في الثقافة الأبوية دور الدال على الآخر الذكر، وتخضع لنظام رمزي يستطيع فيه الرجل تحقيق خيالاته وإطلاق العنان لوساوسه من خلال السلطة اللغوية، وذلك عن طريق فرض هذه الخيالات والوساوس على الصورة الصامتة للمرأة التي ما زالت مكبلة في موضعها باعتبارها حاملة للمعنى لا صانعة له.
مجلة «سكرين»، مجلد 16، العدد 3، صادرة عن دار «أوتم» عام 1975
وهكذا يتضح أننا نخلق كيانات الأفراد (مثلما ننشئ الجامعات والعملة الأوروبية الموحدة «اليورو») عبر اللغة ليس إلا. لكن أتباع ما بعد الحداثة يتخذون ذلك أساسا لطرح نقطة أشمل وأهم؛ وهي أن «الخطاب» - من هذا المنظور - يشبه لغة تتبع قواعد دريدا، فهو ليس ملكا للأفراد المسيطرين، بل يتجاوزهم، ولا يقتصر فحسب على السياقات الرسمية الجلية، كالحال داخل المحاكم، بل ينتشر في جميع أرجاء المجتمع من أعلاه إلى أسفله، من الأحكام القضائية إلى المجلات العلمية والإعلانات التليفزيونية وأغاني البوب، والصحف اليومية الجادة. وكلما زادت هيمنة خطاب ما داخل إحدى الجماعات أو أحد المجتمعات، فإنه يبدو «طبيعيا» أكثر ويزيد ميله إلى الاحتكام إلى نظم الطبيعة لتبرير ذاته. قد تبدو «الطبيعة» ككل مرآة للقدرات التنظيمية للإله أو للنظام الخفي الذي اكتشفه العلماء، أو قد تتضمن «سلالات منبوذة» أو نساء أو مجانين ممن نعتبرهم حسب فطرتهم - أي بحكم طبيعتهم - أكثر حيوانية وأقل عقلانية مقارنة بنا، إلى آخر ذلك. نحن نستوعب تلك النماذج الدونية التي غالبا - كما أشار دريدا وفوكو - ما تشكل جزءا لا يتجزأ من لغتنا، دون أن ندرك دوما أن تلك هي حقيقتها؛ ومن ثم نتقبلها دون وعي، وكأنها حقائق تصف الطبيعة لا سمات ذات دوافع نفسية وسياسية تميز حديثنا عنها.
على سبيل المثال، ينبع مفهوم المصحة العقلية - حسب وصف فوكو - من أنواع الخطاب التي يستخدمها الأطباء، ويعكس الهياكل السلطوية داخل المجتمع البرجوازي المحيط به. وهو عبارة عن عالم مصغر يعكس العلاقات بين العائلة، والانتهاك، والجنون. على الجانب الآخر (أو بالأحرى على جانب اليسار)، يفضل فوكو «الحماقة» ويعادي المنطق البرجوازي. وعلى الرغم من أن تاريخ المصحات العقلية الذي قدمه لا يعتمد البتة على أسس تجريبية راسخة حسب المفترض، فإن وجهة النظر السياسية التي رغب في طرحها حول السلطة والقوة كانت واضحة. وكما هو الحال مع الكثير من كتاب الستينيات (مثل المحلل النفسي آر دي لانج في كتابه «النفس المنقسمة»، أو كين كيسي في روايته «أحدهم طار فوق عش الوقواق») يصور فوكو المجانين في دور ضحايا المجتمع، ويؤكد على فشل هذا المجتمع في إدراك أنهم بدورهم أفراد تعساء إلى أقصى حد. ويطرح تحليلا مماثلا (وتعميما مفرطا كذلك) حول السجون، التي تعكس حسب المفترض الطبيعة «التقييدية» للمجتمع المحيط بها. يعاني المجتمع - في نسخة فوكو الكافكاوية المنقحة من رواية أورويل «1984» - من «المراقبة الكلية الشاملة»؛ فنحن جميعا خاضعون سرا للمراقبة والتحكم. لكن هذه النظرية تدعي أن الأشكال المعتادة من السيطرة الاجتماعية - مثل الالتزام بروتين ما والخضوع للإشراف - لا تختلف عن تلك المستخدمة في السجون، رغم ما بين «المجتمع» و«السجن» من اختلاف.
لقد عرضت فيما سبق بعض الأمثلة الواضحة على إساءة استخدام السلطة. تسيء تلك الأمثلة إلى بديهياتنا التنويرية حول العدالة الشاملة وحق الفرد في الاستقلال الذاتي، لكن من بين عيوب فوكو الكثيرة إخفاقه في تقديم أي تحليل للسلطة من منظور «أخلاقي» عموما؛ فهو يرغب في «المقاومة» عوضا عن الاستسلام، لكنه لا يذكر بوضوح دافعه لذلك. فمن وجهة نظره، تبدو «السلطة» نوعا من القوة الكهربائية، تلازم جميع الأنشطة البشرية على نحو حتمي، مثل الجاذبية. وعلى الرغم من أن فكر فوكو يفترض مقدما تحليلا يساريا - وماركسيا دون شك - فإنه يتجنب التعليقات السياسية الصريحة والنظريات الأخلاقية؛ ومن ثم يكتفي في النهاية - رغم كونه «مقاوما» من الطراز الأول - بالتوصية ببعض الإصلاحات المحلية الضيقة النطاق، مثلما فعل ليوتار إلى حد ما. يعلق تيري إيجلتون على ذلك قائلا:
يعترض فوكو على أنظمة معينة من السلطة لا لأسباب أخلاقية ... بل لأنها ببساطة أنظمة - وفقا لوجهة نظر تحررية غامضة - قمعية في حد ذاتها.
تيري إيجلتون، «أوهام ما بعد الحداثة» (1996)
على القدر نفسه من الأهمية، لم يتطرق فوكو - عند دراسته لوظائف الخطاب - إلى كيفية عمله فعليا بين الأفراد؛ ومن ثم قلل من أهمية الاستقلال الفردي والمسئولية الفردية. فبينما نعلم جميعا أن علينا التشكك في كلمات أنجلو بطل مسرحية شكسبير «الصاع بالصاع» عندما يقول لإيزابيلا: «لست أنا من يدين أخاك بل القانون»، يرى أتباع فوكو أن الفرد ليس المسئول الأكبر عن ارتكاب الفظائع، بل تقع المسئولية على عاتق خطاب السلطة المتدفق على لسانه. ومن ثم، يطرح فوكو نسخة معقدة قائمة على اللغة من العداء الماركسي للطبقات؛ إذ يعتمد على معتقدات تؤمن بالشر الفطري الكامن في وضع الفرد الطبقي أو المهني - الذي ينظر إليه على أنه «خطاب» - بصرف النظر عن الجانب الأخلاقي لسلوكه الفردي.
لاحظ قراء هذا الكتاب بالتأكيد إحجام السياسيين عن تقبل المسئولية الفردية لأفعالهم - أو حتى لأفعال مرءوسيهم - كما كانوا يفعلون في السابق، بالإضافة إلى ميلهم للتعبير عن آراء شديدة التحيز بزعم أنها آراء تعتنقها «أعداد كبيرة من الناس» - قد يكونون مهاجرين جددا أو طالبين للجوء السياسي، أو جيرانا لمجموعة عرقية مختلفة - ويزعمون أثناء ذلك أنهم فقط يصيغون تلك الآراء في إطار يمنحها أهمية سياسية. وفي جميع تلك الحالات يقتصر دورهم على السماح للخطاب بالتدفق عبر ألسنتهم. وعندما تثار الشكوك حول سلوكهم، فلا يردون ببساطة بعبارات مثل «لم أفعل ذلك» أو «فعلته»، بل يدعون البراءة أو يلتمسون العذر لأنفسهم عن طريق خطاب التقرير الصادر بشأن أفعالهم. في ذلك الإطار، يعبر أولئك السياسيون بالفعل عن نظام فوكو المعرفي السائد في عصرهم؛ ومن ثم عن عيوب تبني رؤية مسيسة بطبيعتها للمسئولية الفردية بدلا من رؤية أخلاقية.
অজানা পৃষ্ঠা