মা বাচদ হাদাথা মুকাদ্দিমা কাসিরা
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
القاضي :
إنه لا يحكم عليك، أنا من يحكم عليك. إنك مذنب. السجن ستة أشهر.
قوة الكلمات
حسب رؤية ما بعد الحداثة، تفرض جميع الاستخدامات المنهجية والمنطقية للغة شكلا معينا من أشكال السلطة؛ فعلى سبيل المثال، قد تصدق ما يقوله لك جراح شاب، وبناء على ذلك تسمح له بتخديرك وشق جسدك ومساعدتك على الشفاء. تعبر لعبة الخطاب اللغوية عن سلطة أولئك المخولين باستخدامه داخل جماعة اجتماعية ما وتقرها، كالحال داخل المستشفيات والمحاكم ولجان الممتحنين وأساتذة الجامعة مثلي الذين يكتبون كتابا كهذا. وقد تستخدم كذلك لإخضاع أو استبعاد أو تهميش من هم خارج تلك الجماعات، مثل الساحرات والمنومين المغناطيسيين والمعالجين الروحيين ومثليي الجنس والمتعاطفين مع الشيوعيين والمعارضين الفوضويين. وفيما يلي نستعرض أحد الارتباطات المتعددة بالأفكار الفلسفية الرئيسية المعروضة فيما سبق.
قدم ميشيل فوكو أعظم التحليلات تأثيرا لهذه العلاقة بين الخطاب والسلطة عبر دراساته لتاريخ الممارسات في القانون وعلم العقوبات والطب؛ فمن الواضح إلى حد كبير أن تلك الخطابات السلطوية مصممة لاستبعاد الناس والتحكم بهم، مثل أولئك المشخصين بالمرض أو الجنون الإجرامي. وينظر فوكو إلى قرارات الاستبعاد تلك من منظور ماركسي تقليدي فيقول:
إن الشكل القضائي العام الذي يمنح لنظام ما حقوقا متساوية من حيث المبدأ لم يلق دعما من تلك الآليات الطبيعية اليومية المقبولة، ومن تلك الأنظمة السلطوية المصغرة غير المتناسقة وغير العادلة بطبيعتها، التي نطلق عليها «أنظمة الانضباط»؛ مثل الاختبارات، والمستشفيات، والسجون، والقوانين التنظيمية في ورش العمل، والمدارس، والجيش.
ميشيل فوكو، «الانضباط والعقاب: ميلاد السجن» (1977)
يضع فوكو نفسه في موقع الضحية، محللا السلطة من أسفل لأعلى، ولا يقتصر تحليله على اعتبارها فرضا لمصالح الطبقة الأعلى؛ إذ يحاول إثبات أن إرادة ممارسة السلطة تهزم المساواتية الإنسانية في جميع الحالات. ويشير ضمنيا إلى أنه حتى الاعتماد التنويري على المبادئ العامة والمنطق هو اعتماد استبدادي دوما منذ البداية؛ لأن الاحتكام إلى «منطق» سليم دوما هو في حد ذاته نظاما سلطويا، وسيتسبب دوما في استبعاد ما يراه هامشيا، وذلك ببساطة من خلال اعتباره أمرا لا عقلانيا. يرى فوكو أن تلك الأمور اللاعقلانية المزعومة تتضمن ما يتعلق بالرغبات، والمشاعر، والغريزة الجنسية، والفن.
يعادي فوكو التقدمية بشدة، فهو مؤرخ معاد للرؤية التقدمية للتاريخ إذ يؤرخ نشأة القمع. وفي هذا الإطار، يبحث فوكو عما يطلق عليه «الهيكل المعرفي»؛ أي الافتراضات اللاشعورية غالبا المرتبطة بالنظام الفكري الذي يشكل أساس الأوضاع التاريخية لدى مجتمعات بعينها. يعرف ذلك باسم الأوضاع «التاريخية البديهية» في حقبة ما، التي «تحدد نطاق التجربة الكلي في أي مجال معرفي»، وتعرف نمط كينونة الموضوعات في هذا المجال، و«تمنح تصورات الفرد وملاحظاته اليومية سلطات نظرية». كما أنها تحدد الأوضاع التي قد يصبح الخطاب في ظلها «حقيقيا»؛ ومن ثم تظهر الحاجة إلى التنقيب في التاريخ بحثا عن هذه الأوضاع، ومن هنا ينبع ما يطلق عليه فوكو «أركيولوجيا» المعرفة (أو التنقيب في الهيكل المعرفي). تكمن تلك الأوضاع دون مستوى الإدراك، ولا تبدو جلية دوما؛ ومن ثم يصبح الهيكل المعرفي نوعا من اللاوعي المعرفي الذي يميز عصرا ما.
يطرح فوكو نقدا يساريا لهذه الأوضاع كافة كي يوضح الأشياء والأفراد التي تستبعدها وطريقة استبعادها. تتفاعل السلطة والمعرفة على مستوى جذري، كالحال - على سبيل المثال - عندما يتبنى الأفراد «العقلانيون» المدربون طبيا تعريفا لأنفسهم يتناقض مع تعريف الأفراد «غير العقلانيين» لأنفسهم، فإنهم يشرعون - بعدما أصدروا هذا الحكم التعريفي - في احتجازهم في مستشفيات الأمراض العقلية. يستخدم كل من المتحيزين جنسيا والعنصريين والإمبرياليين أساليب متشابهة؛ إذ يجعلون خطابهم «السوي» خطابا مهيمنا، وفي خضم تلك العملية، يمكنهم بالفعل ابتداع أو استحداث مفهوم «المنحرف»، أو ما يطلق عليه الكثير من أتباع ما بعد الحداثة «الآخر». يساعد خطابهم في الواقع على «تشكيل» الهويات التابعة لدى من يستبعدون من المشاركة فيه.
অজানা পৃষ্ঠা