মা বাচদ হাদাথা মুকাদ্দিমা কাসিরা
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
فريدريك جيمسون، كما استشهد به هانز بيرتينز في كتابه «فكرة ما بعد الحداثة»، (1994)
إن هذا الإدراك ما بعد الحداثي ل «العمل الفني كنص» - وإن كان فيلما أو لوحة أو عرض أزياء - يعتبر أي إنتاج ثقافي بارز متصلا بجميع الاستخدامات الأخرى للغة الطبيعية؛ ومن ثم تجنب أي تفضيل «جمالي» للعمل الفني المستقل وتنظيمه المتكامل؛ إذ كان يعتبر ذلك أحد الأخطاء الحداثية النموذجية. وزعم في سياق بديل أن العمل الفني تجمعه صلة بجميع النصوص الأخرى؛ لذا، فرضت تفكيكية ما بعد الحداثة تطابقا جديدا بين الخطاب الفلسفي (وهو مجال اختصاصي للغاية، يعود مرة تلو الأخرى إلى نفس المشكلات، ويقتلع جذور التناقض) وخطاب العمل الفني، وبالتأكيد جميع الخطابات الأخرى داخل المجتمع.
بالنظر إلى القيود القاسية المفروضة على احتمالية بلوغ الوحدة المميزة للحجة المتماسكة، والشك الكبير الذي تصاعد حيال ما يمكن اعتباره اعتمادا خفيا لدى أي عمل أو نص على النصوص السابقة له، أصبح من المعتقد أن أي نص - بدءا من الفلسفة وحتى الصحف - يتضمن تكرارا استحواذيا أو «تناصا». وكما هو الحال في الفلسفة - التي طالما انشغلت منذ عصر أفلاطون بنفس المشكلات القديمة - ستعيد الرواية حتما إنتاج نفس المواقف والأفكار السابقة وأساليب الوصف التقليدية إلى آخره، فليست رواية جويس «يوليسيس» - باعتبارها عملا حداثيا غير مباشر عن قصد - هي الرواية الوحيدة التي استطاعت تحقيق هذا؛ فحسب تعبير إمبرتو إيكو - وهو منظر ما بعد حداثي بارز - في روايته ما بعد الحداثية «اسم الوردة» التي حققت رواجا مذهلا: «تتحدث الكتب دوما عن كتب أخرى، وكل قصة تحكي قصة رويت بالفعل.» تفرغ هذه الرؤية في نهاية المطاف إلى نوع من المثالية النصية؛ لأن جميع النصوص ينظر إليها باعتبارها تشير على الدوام إلى نصوص أخرى، «عوضا عن الإشارة إلى أي واقع خارجي.» ولن يستطيع أي نص في النهاية أن يثبت على الإطلاق أي شيء عن العالم خارجه، ولن يصل أبدا إلى نقطة سكون، بل يكتفي فقط - حسب مصطلح دريدا - بنشر تنويعات مستندة على أفكار أو مفاهيم قائمة بالفعل.
إعادة كتابة التاريخ
كما أكدت سابقا، أسفر هذا الحراك كله عن زج الواقعية بجميع أنواعها في قفص الاتهام؛ فمحاولة تقديم أي شكل من أشكال الواقعية كانت تئول في النهاية إلى خطأ فلسفي؛ ومن ثم تصبح محاولة كتابة التاريخ من وجهة النظر التجريبية أو الوضعية المهيمنة حتى الآن محكوما عليها بالفشل. ومن جديد، يميل فكر ما بعد الحداثة - عبر تحليل كل شيء باعتباره نصا وبلاغة - إلى دفع المجالات الفكرية التي ما زالت مستقلة حتى الآن نحو الأدب، فالتاريخ ليس سوى سرد آخر، لا تتميز تراكيبه النموذجية عن التراكيب الروائية، ويرزح تحت أسر أساطيره ومجازاته وقوالبه النمطية الخاصة غير المحققة (التي غالبا ما تستخدم بلا وعي). أما مصادره - مهما بدت حيادية أو قائمة على أدلة - فليست في النهاية سوى سلسة أخرى مترابطة من النصوص القابلة للتفسير بعدة طرق، وحتى تفسيراته السببية في وسعنا إثبات كونها مستقاة من حبكات خيالية معروفة، تكررها تلك التفسيرات بالتبعية.
إن وجهة النظر هذه حول كتابة التاريخ هي أحد الاختبارات الأساسية التي تواجه فكر ما بعد الحداثة؛ نظرا لتأثيرها على جميع أجزاء ثقافتنا. فإذا فشل التاريخ بدوره - تحت مجهر ما بعد الحداثة - في تجسيد المعايير «الوضعية» أو «الواقعية» المهيمنة في السابق أثناء كتابته؛ فإن الأدب - الأكثر ابتعادا عن التاريخ - لن يستطيع بدوره طرح أي مزاعم واقعية قوية. إن الادعاء ما بعد الحداثي الأساسي هنا يدفع بأن مفهوم إعادة التشكيل «الموضوعي» وفقا للأدلة ليس سوى خرافة؛ إذ لا يستطيع المؤرخون إخبارنا ببساطة عن الأحوال الماضية، أو الحالية؛ إذ إنه - على حد قول آلان مانزلو - «ينبع المعنى بأسره من ممارسات متنقلة - أسسها المجتمع وحدد معناها - ذات تأثير كبير على الواقع يمكنها بالفعل من غلق أي سبيل مباشر إلى معرفته.» ومن ثم، يصبح التاريخ في الأصل مجرد حكاية أخرى تحظى بقبول اجتماعي نسبي، وتنافس من أجل حيازة انتباهنا وموافقتنا، ومجرد طريقة أخرى لوصف الأحداث، يعتمد بقاؤها من عدمه على عملية من النقاش والجدل. وعلاوة على ذلك، فإن بنى التاريخ وتفسيراته السببية المفصلة جمعت في الأساس على نحو يشبه القصص الروائية. يوضح هايدن وايت ذلك قائلا:
إن الادعاءات التاريخية ... هي روايات شفهية، تضم محتويات مختلقة بقدر ما هي مكتشفة، ولدى صياغاتها قواسم مشتركة مع نظيراتها في الأدب أكثر مما بينها وبين نظيراتها في العلوم.
هايدن وايت، «النص التاريخي كنتاج أدبي» من كتاب «مدارات الخطاب»، (1978)
تحكي جميع كتب التاريخ قصة، قد يؤدي أبسط ما بها من أدلة أو حقائق - مثل القول بأن «نابليون كان قصيرا» أو أن «أنف كليوباترا كان جميلا وذا طول مثالي» - إلى تفسيرات لا نهائية محل خلاف بطبيعتها، وتشكل بدورها مزاعم تدعي الحقيقة مثل: «ومن ثم، كان نابليون يعوض عن قصره بالعدوانية، وكانت لكليوباترا جاذبية لا تقاوم!» وستحتل تلك الأحكام بدورها مكانا في ادعاءات تقليدية أكبر، غالبا ما تفسر فيها انتصارات نابليون - على سبيل المثال - باعتبارها تجليات لشخصيته لا للظروف الاقتصادية الكامنة وراء الأحداث، أو تصبح جاذبية كليوباترا الجنسية المذهلة هي الدافع وراء هروب أنطونيو من معركة أكتيوم ، كما اعتقد شكسبير على ما يبدو مقتديا ببلوتارخ. لا يهم هنا إن كان راوي القصة مؤرخا عظيما أو ويليام شكسبير، فكلاهما يركزان على شكل أو نوع سردي عند إخبارنا بقصتهما، سيستعيرانه من تقاليد رواية القصة المتاحة في ذلك الوقت. تعرض بعض كتب التاريخ المتأثرة بأفكار ما بعد الحداثة - مثل كتاب سيمون شاما «المواطنون: تاريخ الثورة الفرنسية»، (1989) وكتاب أورلاندو فيجيز «مأساة شعب: الثورة الروسية 1891-1921»، (1996) - هذه الوظيفة السردية عرضا واضحا تماما؛ فنحن نتبع إحدى القصص، لكن ليس بوسع أي مؤرخ كان زعم أن هذه القصة هي «القصة الوحيدة»، حتى وإن كان ذلك ما يهدف إليه. وبصرف النظر عن أي عامل آخر، فإن العلاقة بين «المختلق» أو «المجمع» وبين «المكتشف» أو «الظاهر» ستظل دوما محل خلاف وخاضعة للتفسير. ينطبق هذا قطعا على الحالات المعقدة التي تثير لدينا أكبر قدر من الاهتمام، فالادعاءات البسيطة للغاية - التي توضح أن العلاقة بين الواقع والقصة المسرودة قد «لا تقبل الجدل» في بعض الأحيان - لن تساعدنا كثيرا في تطوير فهمنا للممارسات الثقافية التي تحكم كتابة نوع التاريخ ذي الأهمية في هذا العالم، كالذي يدعم فهمنا لعلاقة الكتابة التاريخية الأمريكية بالمعتقدات السائدة حول الحرب الباردة، أو بتاريخ الخلاف والمعارضة لدى اليسار، أو بما إذا كان آل روزنبرج مذنبين، أو بما أدى إلى إطلاق الرصاص على كينيدي في تكساس. وقد أسهب المؤرخون النسويون في توضيح الانتقاء الثقافي (من هذا المنظور) الملحوظ لدى معظم الروايات التاريخية.
وعلاوة على ذلك - وعلى أبسط المستويات - سيستخدم الروائي والمؤرخ لغة تعج بالمجازات أو الاستعارات، التي ستبين لنا كذلك مدى بعد التاريخ عن الاهتمام بالحقائق الحرفية المجردة. إن القضية هنا لا تقتصر على العلاقات السببية داخل الحبكة التاريخية فحسب، بل تمتد لتشمل جميع المسارات التقليدية وغير التقليدية نسبيا في اللغة التي ورثناها.
অজানা পৃষ্ঠা