وفي اليوم التالي ينزل طه حسين البحر عند سان استيفانو، وهو يفكر بعد أن يألف الماء ويمسك بالحبل الممدود في أن هذا هو بحر الروم، مهد إحدى الحضارات العظمى للإنسان، وهذه هي الإسكندرية إحدى عواصم الفكر الإنساني القديم، على هذا الشاطئ كانت تقوم مكتبة الإسكندرية وجامعة الإسكندرية التي علمت بعض قادة الفكر القديم ... لماذا لا تعود للإسكندرية جامعتها وتعود إليها مكتبتها؟
ويستمر تفكيره: لقد عرفت مصر صروح العلم الشامخة؛ من جامعة الإسكندرية، إلى جامعة عمرو بن العاص، إلى جامعة الأزهر، ثم تعرضت لاحتلال الأجانب فضاعت الحرية، وبضياع الحرية ضاع العلم، واستشرت الأمراض، وافتقر الناس، الجهل علاجه العلم، المرض يحاربه التعليم، الفقر يطارده التعليم، الحرية نفسها لن يطالب بها الناس ولن يحرصوا عليها إن حصلوا عليها ولن يقدروها حق قدرها إلا بالتعليم.
لا بد إذن من التعليم، التعليم الجاد، وبهذا التعليم الجاد سنعرف أنفسنا، سنعرف أن أهلنا قد حققوا من الامتياز في الماضي ما لم تحقق مثله الشعوب المعاصرة لهم، وسوف يتبدد الوهم الذي يسيطر على بعضنا بأن شعوب أوروبا أرقى منا بالطبيعة، إنها إنما تجاوزتنا بالعلم، ونحن بالعلم نستطيع أن ندركها بل أن نتجاوزها.
إنه يحس بمسئولية قادة الفكر، مسئولية الرائد أن يسير بأهله إلى ما فيه الخير والنفع والعزة.
وتقبل موجة عالية تكاد تغرقه، فيمسك بالحبل ويخرج بمعاونة صاحبيه، يخرج ضاحكا يقول: «الآن عرفت كيف يسبح الناس، وعرفت أيضا كيف يغرقون!»
ويجلس الثلاثة على شرفة الفندق، فيلاحظ الزناتي أن شهر يوليو مزدحم في الإسكندرية كالعادة، ويذكر الزناتي أن شهر يوليو هو شهر الثورة الفرنسية، وأن الجبرتي قد وصف احتفال نابليون الضخم بهذا العيد في الأزبكية، ويقول طه: «لماذا لا نحتفل نحن بأعيادنا؟»
ويسأل الزناتي: «مثل عيد رأس السنة الهجرية؟»
ويقول طه: «نعم، مثل عيد رأس السنة الهجرية.»
فيقول الزناتي: «هل تذكر قصيدتك في عيد رأس السنة الهجرية منذ نحو عشرين سنة، في احتفال نادي المدارس العليا، قبل السفر إلى فرنسا، سنة 1914؟» ويتذكر طه حسين، ويقول: «نعم، في مدرسة مصطفى كامل ... أجلسني الشيخ عبد العزيز جاويش - سامحه الله - على المنصة إلى جواره فظننت هذا تلطفا منه، ولكنه فاجأني بإعلان اسمي على أنني بديل عن حافظ إبراهيم الذي كان قد وظف في دار الكتب فلم يستطع المشاركة في الاحتفال، لقد أصبح موظفا محترما!»
ويقول الزناتي: «الشيخ جاويش أعلن ذلك لأنك كنت قد أنشدته قصيدتك.»
অজানা পৃষ্ঠা