الفصل السادس عشر
انتقلت إيفون إلى مدرسة بمصر الجديدة وعلمت بما كان من أبيها، واستغلقت من دونها الطرق، وفكرت أن تهجر البيت ولكن إلى أين؟ كيف تعيش؟ إنها تستطيع أن تعمل وعلى هذا الرأي استقرت إيفون، وأخذت تدبر الحيل لتصل إلى صديقة لها تعرف أن أباها ذو شأن في الشركات.
وفي يوم ادعت المرض واستطاعت أن تجعل المدرسة تعطيها إذنا بالخروج فخرجت. وذهبت إلى صديقتها في مدرستها القديمة، وقدمت إليها رجاءها وأعطتها عنوانها على المدرسة. وما هي إلا أيام حتى جاء البريد بالخطاب وتم تعيينها.
وفي الليل استطاعت إيفون أن تتسلل من البيت، جميع ما تملكه خمسة جنيهات وحقيبة مليئة بالملابس ونزلت إلى الطريق. إلى أين؟ واجهت الطريق وهي جاهلة به لا تدري فيه المتجه ولا السبيل. مشت. أهذه هي المسيحية؟ أهذا هو الدين الذي يقول: «فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك»؟ أليس عباس وقوم عباس إخواني، فما هذا العداء بيني وبينهم؟ أليس الدين محبة؟ أليس الله محبة؟ فما هذا العداء؟ ولماذا تحرمنا الكنيسة من التآخي؟ هل جاء المسيح ولقي هذا العذاب والأهوال وانتهى به الأمر إلى الصليب لنظل نحن أعداء البشر من غير ديننا؟ ما الدين بغير حب وأخوة وسلام؟ أين السلام؟ أين الحب؟ لماذا يحرمونني منه ولماذا يحرمونه مني؟ ماذا جنيت أو جنى؟ لقد ولدت مسيحية وولد مسلما فأي ذنب اقترفت؟ وأي ذنب اقترف؟ ليس هذا هو الدين الذين أحببت. براء أنا منه. لا أدخل كنيسة ألقت بي إلى الضياع. لا، هذا الدين هو الرحمة التي نرجوها. براء أنا منه. ولكن أين أذهب؟ غدا موعدي مع العمل ولكن ... كيف أعيش؟ أين يستقر بي المكان؟ أين أذهب؟
ركبت إيفون المترو وظلت به حتى انتهى به المسير إلى قلب القاهرة فنزلت، وعادت إلى الضياع مرة أخرى. إلى أين؟ ونظرت حولها فوجدت أمام المحطة التي انتهى إليها المترو كنيسة، فنظرت إليها مليا وقالت دون أن تتكلم: أدخلك لأن بك مقاعد أستريح عليها حتى يطلع الصباح، ولكن غير مؤمنة بك أدخلك.
ودخلت الكنيسة وانتظرت بها الصباح حتى جاء.
وتوجهت إيفون إلى مقر الشركة، وكان جمالها بين يديها لا يحتاج إلى وساطة، فسرعان ما تسلمت عملها بعد أن حاول كل رئيس ضمها إلى قسمه، فما انتهى بين الرؤساء جذبها إلا حين رآها مدير الشركة فأصبحت في مكتبه. ووجدت زميلات لها بالعمل استطاعت أن تعرف منهن بنسيونا تقيم فيه فأقامت.
ومرت بعض الأيام حتى وجدت في غياب المدير فرصة أن تترك العمل قبل موعده المحدد، وأخذت سمتها إلى كلية الهندسة.
وعلى مبعدة قريبة من الباب وقفت ترقب الخارجين والداخلين، وطالت بها الوقفة وطالت فلم تمل، وأخيرا بدا عباس خارجا من الكلية، وكان بين رفقة فلم تحفل وإنما اقتربت ونادت: عباس!
وسمع عباس النداء وعرف الصوت، ولكنه لم يملك نفسه أن يقول في دهشة: من؟
অজানা পৃষ্ঠা