253

دروس الشيخ محمد الدويش

دروس الشيخ محمد الدويش

জনগুলি

استفادة الناس من السنن المادية حينما اكتشفوها ووظفوها
إن لله ﵎ سننًا تحكم هذا الكون، وتحكم حركة التاريخ، وتحكم دنيا الناس، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب:٦٢]، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر:٤٣]، كما أن لله ﷿ سننًا تحكم عالم المادة ودنيا الناس، وحين اكتشف الناس السنن المادية أو ما يسميه العلم المعاصر بقوانين الطبيعة؛ حين اكتشفوا هذه السنن وهذه القوانين استطاعوا أن يستفيدوا منها، وأن يوظفوا هذه القوانين وهذه السنن توظيفًا في خدمة الناس في أمور دنياهم، فمن ذلك مثلًا: قانون الجاذبية، وهي قضية يراها كل الناس ولا يجهدون أنفسهم في التفكير فيها، ولا يجهدون أنفسهم في تفسير هذا الموقف الذي يرونه والذي لا يتغير ولا يتبدل.
وحين اكتشف العلم المعاصر هذا القانون استطاع أن يوظف هذا القانون وأن يستثمره، فيعبر القارات، ويعبر الفضاء من خلال السيطرة على هذا القانون، وحين يكتشف العلم المعاصر المواد التي تقبل الاحتراق والتي لا تقبل الاحتراق فإنه يوظف هذه السنة في تحقيق مقصد الناس ومصالحهم في أمور دنياهم، ولهذا نرى النبي ﷺ يربط بين القضيتين: يربط بين السنن الكونية وبين السنن المادية، بين السنن التي تحكم حياة المجتمعات ودنيا الناس وبين السنن التي تحكم عالم المادة، ومن ذلك مثلًا: قوله ﷺ: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أسفلها وكان بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا فلم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أردوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا).
إن النبي ﷺ يحدثنا عن سنة من سنن الله ﵎ في المجتمعات، وعن سنة من سنن الله ﷿ في التاريخ وهي: أنه حين يقع الناس في المعاصي، ويتجرءون على حدود الله فإنه سيهلك المجتمع بمن فيه، ثم يربط النبي ﷺ هذه السنة وهذا القانون بقانون يراه الناس في عالم المادة: فحين تخرق السفينة التي تسير على البحر فإن هذا إيذان بأن يلج إليها الماء فتمتلئ فتغرق بمن فيها ولو كان فيها طائفة لم يكن لهم دور في خرق هذه السفينة.
وأيضًا يذكر لنا ﷺ سنة أخرى من السنن المادية التي يراها الناس، فيربطها بسنة من سنن الله في المجتمعات، يقول ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
إذًا ما موقف الناس وما دور الناس وما دور العلم المعاصر في التعامل مع سنن الله في عالم المادة أو ما يسمونه بقوانين الطبيعة، ما دورهم في التعامل معها؟ أترى الناس مثلًا: يستسلمون لهذه السنن وهذه القوانين أم أنهم يحرصون قدر الإمكان على اكتشافها وتفسيرها، ثم محاولة توظيفها واستثمارها والتعامل معها؟ إن هذا هو دأب الناس، وكم استفاد العلم المعاصر من ذلك، وثورة العلم المعاصر إنما قامت على استثمار هذه السنن الثابتة التي تحكم الناس في أمور معاشهم وفي دنياهم، ولكن هل نحن نصنع ذلك في تطلعنا للتغيير الاجتماعي؟ وهل نحن نصنع ذلك في قراءتنا للتاريخ الماضي وفهمنا للتاريخ الحاضر؟ وهل نحن نتعامل مع ذلك كما نتعامل مع السنن في عالم المادة؟ وكتابنا الذي لا ينطق عن الهوى مليء بالإشارة إلى هذه السنن، والحديث عن هذه السنن، ولم نكلف عبئًا في محاولة اكتشافها ودراستها.

9 / 7