وجد عبد الله بين يديه دعوة مفتوحة ولكنه كشرطي سابق آثر العمل بطريقته الخاصة!
9
انطلق عبد الله الحمال كالسهم في سماء الجهاد كما تصوره .. نادى قوته القديمة وأخضعها هذه المرة لإرادته الصلبة النقية .. وفي الحال سقط بطيشة مرجان كاتم السر قتيلا .. وهو يمضي من دار الإمارة إلى داره عقب منتصف الليل، وبين حرسه، انقض من الظلام سهم فاستقر في قلبه، فهوى فوق بغلته بين الرماح والمشاعل .. اجتاح الحرس المكان وما يتشعب منه، وألقوا بالقبض على من صادفهم من المارة والمتسكعين والمكومين في الأركان .. احترقت داره حزنا، وزلزلت دار الإمارة فغادرها يوسف الطاهر كالمجنون على رأس قواته، وصعد الخبر إلى الوزير دندان فأرقه الفزع حتى الصباح .. ومنذ الصباح انتشر النبأ في الحي ثم في المدينة فماجت الأنفس وفاضت بالظنون .. حلقة جديدة في سلسلة مصرعي السلولي والهمذاني .. التحام جديد بدنيا العفاريت الغامضة .. بل إنهم الخوارج أو الشيعة .. أو لعلها حادثة فردية تكمن وراءها غيرة امرأة أو حسد رجل .. وأمطرت السماء مطرا غزيرا لم ينقطع طيلة النهار، فتراكم الوحل، وجرى الماء مغطى بالزبد في الحواري والأزقة، فأفسد نظام الجنازة والدفن، منذرا بشتاء قاس .. واندس عبد الله الحمال بين العامة في مقهى الأمراء مرهف الحواس باهتمام خفي .. استقطب الحادث الحديث كله، وتناقضت الآراء بين أفكار السادة المعلنة وهمسات العامة المتبادلة في الآذان .. ولمح عبد الله المعلم سحلول تاجر المزادات والتحف وهو ينهمك في حديث طويل مع كرم الأصيل صاحب الملايين فانقبض صدره .. إنه لم ينس نظرته النافذة تحت رأسه المعلق .. وتذكر أنه رآه يحوم حول موكب كاتم السر وهو - عبد الله - يتأهب لإطلاق السهم، فكيف لم يقبض عليه فيمن قبض عليهم؟ .. كيف غاب عن أعين الحرس؟ .. انقبض صدره وتوجس خيفة .. وعجب كيف أنه الرجل الوحيد في الح الذي لم يطلع له على سر طيلة عهده برئاسة الشرطة .. إنه مطلع على أحوال جميع السادة ما ظهر منها وما بطن إلا هذا الرجل، فهو لغز مغلق!
10
لم تخف حمى المسئولين ولا إجراءاتهم القاسية، أما بقية الناس فمضوا يألفون الحادث ويملون الخوض فيه، ثم يتناسونه .. وسرعان ما غلبت مطالب الحياة على أحداث التاريخ، فقالت أم السعد أرملة صنعان لست رسمية أرملة جمصة البلطي: ببركة الله وحكمته يرغب فاضل ابني في الزواج من أكرمان.
وتمت الموافقة في فرحة شاملة .. إنهن جميعا يعشن في واقع ولا يسمحن لحلم غابر بأن يفسده .. وقالت أيضا أم السعد: أنت أيضا يا ست رسمية!
وأعلنت لها عن رغبة عبد الله الحمال في الزواج منها .. ضحكت رسمية ضحكة فاترة لوقع المفاجأة .. ولم تسر بها ولم ترحب .. وقالت بحياء: الزواج لأكرمان وحسنية لا لنا!
ثم عقب الصمت واصلت: جمصة لم يمت، ما زالت ذكراه حية في نفسي!
وسر فاضل وعبد الله، كل بما تلقاه .. أجل، استاء عبد الله لوأد عواطفه ولكن جمصة الكامن فيه سر سرورا لا مزيد عليه .
11
অজানা পৃষ্ঠা