عمر بن الخطاب ﵁
عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه الذي يُعدُّ شخصية من أروع الشخصيات في تاريخ الإنسانية كلها، هذا الرجل الذي تجسدت فيه كل معاني الكمال البشري، ولا تستغربوا من كلمة: (الكمال)، لأن الرسول ﷺ أخبر أن كثيرًا من الرجال قد كمل، ففي مسند الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، عن أبي موسى الأشعري قال: (كمل من الرجال كثير)، بمعنى: أنه استكمل الفضائل التي يمكن أن تكون موجودة في الرجال، من عقيدة وتقوى وإخلاص وأمانة وعدل وقوة وتواضع وزهد وذكاء وقيادة، فقد كان شخصية متكاملة متوازنة، شخصية نادرة فعلًا، وأنا أريدك أن تستخدم كل وسائل التنقيب والتفتيش وتحاول أن تجد لنا واحدًا مثله في أمة من الأمم، كأمريكا مثلًا، أو في أمم كاملة كأوروبا، أو في أمة كاملة كالصين أو اليابان أو روسيا، وعدِّد ما شئت من الأمم غيرها، فمستحيل والله أن تجد واحدًا على عشرة منه، أو واحدًا على مائة، أو واحدًا على ألف من عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه، وهذه والله ليست مبالغة، بل ووالله العظيم أن هذا أقل من الواقع بكثير، فـ عمر بن الخطاب ﵁ لو وزن بأمة الإسلام -ليس أمريكا ولا الصين ولا روسيا فقط- لرجحت كفته، إذا خلا منها رسول الله ﷺ وأبو بكر، فهو في كفة وبقية الأمة في كفة بما فيها عثمان وعلي وطلحة والزبير وحمزة وخالد وسعد وكل الصحابة من المهاجرين والأنصار، وكذلك الذين أتوا من بعدهم، كـ البخاري ومسلم وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل وعلماء الطب والهندسة والفلك والكيمياء، وكذلك بما فيها من المجاهدين والعلماء والدعاة والصالحين، فكل الأمة يرجح بهم عمر ﵁، وهذا ليس من كلامي، بل من كلام رسول الله ﷺ، فقد جاء عنه بأكثر من رواية، منها: ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبي أمامة ﵁ وأرضاه أنه قال: قال ﷺ: (وجيء بـ عمر فوضع في كفة وجيء بجميع أمتي في كفة فوضعوا فرجح عمر)، إذا: فنحن نتكلم عن رجل أسطورة، وشخصية نادرة تمامًا.
وتعال لننظر ونتأمل من هو عمر بن الخطاب قبل إسلامه؟ وما هو تاريخ هذه الشخصية النادرة في تاريخ الأرض؟ وكيف كانت بداية هذا العملاق؟ يا ترى هل كانت بدايته كبدايتنا أم أصعب؟ عمر بن الخطاب جلس أكثر من نصف حياته يسجد للأصنام، ويقدم فروض العبادة والطاعة، فهو ﵁ ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، يعني: أنه كان أصغر من الرسول ﷺ بثلاث عشرة سنة، فقد كان عمره سبعة وعشرين سنة وقت البعثة، وأسلم بعد ست سنوات كاملة من الرسالة، ومعنى هذا أن عمره عند الإسلام كان ثلاثًا وثلاثين سنة في أصح الروايات، وفي رواية تقول: أن عمره عند الإسلام كان ستًا وعشرين سنة، ومات وعمره ثلاث وستون سنة تقريبًا، يعني: أنه ثلاث وثلاثون قعد سنة في الكفر، وثلاثون سنة وهو مؤمن، وضمن سنوات الكفر ست سنوات كاملة وهو يعيش مع الرسول ﷺ في مكة، ومع ذلك يصر على كفره وإنكاره لوحدانية الله ﷿، ويصر على عبادة الأصنام، فهذا هو عمر قبل أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولم يكن كافرًا عاديًا، بل كان من أشد الكفار غلظة على المسلمين، فقد كان يعذب جارية بني مؤمل -وبني مؤمل أحد فروع قبيلة عمر، وقبيلة عمر هي بني عدي- من الصباح إلى المساء، ويتركها في الليل ليس رحمة بها ولكن يقول: والله ما تركتك إلا ملالة، أي: أنه تعب من تعذيبها، وهذا كان عقل عمر الذي رضي أن يسجد لصنم، فيطلبه ويرجوه ويخافه ويعتمد عليه، هو نفس العقل الذي كان بعد إسلامه، فعرف ربه كما لم يعرفه كثير من الخلق، وهو هذا العقل الذي صار يدير دولة كبيرة كسرت شوكتي فارس والروم اللتين ملكتا المشرق والمغرب، ما هو الذي حصل في عقل عمر؟ لا إله إلا الله، محمد رسول الله خلقت إنسانًا جديدًا.
وانظر إلى قلب عمر كيف كان يقبل أن يجلد بالسياط امرأة مسكينة ضعيفة، لا لشيء إلا لأنها آمنت بالله وحده، وما نقم منها إلا أنها آمنت بالله العزيز الحميد، وهذا هو قلب عمر نفسه بعد كلمة الإسلام، فقد تغير وصار يخاف خوفًا غير متخيل على كل مسلم في الأرض، سواء كان يعرفه أو لا يعرفه، فقد كان يقول لقواد جيشه: لا تدخلوا بجيش المسلمين في غيضة، يعني: لا تدخلوا الجيش في أي شيء فيه خطورة، فإن رجلًا من المسلمين أغلى عندي من مائة ألف د
3 / 6