وعلى الجملة فهذا المذهب يرى أن الإنسان يجب أن يكون أرقى من أن تسيره اللذة والألم، وليس قانون الأخلاق وأوامره خاضعة لنتائج العمل، ولا لما فيه من اللذائذ والآلام، وإنما ركب في أنفسنا ضمير يناجي الإنسان ويأمره بالخير وبالواجب، ثم إن هذا الخير أو الواجب قد يثمر لذة وسعادة، وقد تسير الإنسان إلى حد ما رغبته في اللذة وفراره من الألم، ولكن هذا الضمير لا يخضع لذلك، بل قد يتطلب أحيانا أن يضحي باللذة والسعادة والحياة نفسها للواجب، والواجب واجب ولو منع لذة واستتبع ألما، والخير خير في ذاته مهما كلف من المشاق، وإنه لحط من كرامة الإنسان أن يمسك دائما ميزانا يزن به كل عمل قبل أن يعمل ليرى ما ينتجه من لذائذ وآلام، فإن هذا عمل التجار. أما الأخلاقي فيجب أن يكون أشرف من ذلك، يصغى لصوت ضميره، ويسمع لما يوحى إليه من أوامر ونواه، وهذا هو ما يشرفه ويضعه في أسمى مكان يليق به.
وممن ذهب هذا المذهب طائفة من الفلاسفة الأقدمين يسمون (الرواقيين) وهم أتباع زينون، فيلسوف يوناني (342-270ق.م) كان يعلم أصحابه في رواق مزخرف في أثينا، ومن ثم سمي أصحابه بالرواقيين (Stoics)
وقد كان زينون معاصرا لأبيقور ومعارضا له في تعاليمه. فبينا يرى أبيقور أن الغاية من الحياة هي الوصول إلى أكبر لذة ممكنة للعامل، وأنه يجب إحياء الشهوة وإرواؤها، كان زينون يرى أنه يجب ضبط النفس وقمع الشهوات وعمل الواجب للواجب.
كان هؤلاء الرواقيون يرون أن اللذة ليست هي الغاية للإنسان، ولا هي بالخير دائما، وإنما الغاية نيل الفضيلة لأنها فضيلة. وطلبوا من الناس أن يكفوا عن اتباع الشهوات وأن يمرنوا أنفسهم على تحمل الآلام في سبيل الفضيلة.
والرواقي لا يجعل أكبر همه أن يكون غنيا ولا متلذذا، إنما أكبر همه أن يعيش حكيما فاضلا، في أى حال كان، في فقر أو غنى، وأن يستعمل ما حوله من الأشياء خير استعمال، ومثلوا الناس في الدنيا بالممثلين على مراسح التمثيل، قالوا: إن منهم من يمثل الملك، ومنهم من يمثل السائل الفقير، ولسنا نثنى على الأول لأنه مثل دور الملك ولسنا نعيب الثاني لأنه مثل دور الفقير ، إنما نثني على من أجاد دوره ملكا أو فقيرا ونعيب من لم يجد ملكا أو فقيرا، كذلك الشأن في الحياة، فالإنسان يجب أن يمدح أو يذم لإجادته في عمله أو عدمها، لا لمنصبه الذي يشغله وماله الذي يملكه.
وضرب أحد رؤساء هذا المذهب وهو «إبيكتيتس» (50-115م) مثلا لذلك من لاعبي الكرة، قال: إنهم لا يلعبون للكرة نفسها ولا يهمهم ملكها ولا من ملكها، وإنما يمدح اللاعب لأنه يعرف كيف يلعبها وكيف يجيد رميها، يريد بذلك أن الأشياء الخارجية لا قيمة لها في أنفسها، وإنما يمدح الإنسان على حسن استعمالها لا على ملكها.
والغربيون الآن يطلقون «رواقي» على من اعتاد أن يقابل الأشياء بهدوء وطمأنينة على الرغم مما يحيط بها من خطر وآلام.
ومن القائلين باللقانة في العصور الحديثة «كانت»
9
فقد كان يرى «أن عقل الإنسان هو أساس الأخلاق. وليس الإنسان في حاجة إلى أن يتعلم أن العمل خير أو شر بواسطة الملاحظة أو التجربة، أو قياس ما ينتج عنه من لذائذ وآلام، ولكن العقل بطبيعته يرينا الخير والشر، فإذا عرض أمامنا عمل ما فعقلنا يرشدنا إن كان خيرا أو شرا من غير عمليات حسابية، والعقل يأمرنا دائما أن نعمل ما نحب أن الناس يعملونه، فيأمرنا بالصدق لأننا نحب أن الناس يصدقون، وبتجنب الكذب لأننا نحب أن الناس لا يكذبون. ويجب أن نخضع لصوت العقل وأن نجعل إرادتنا تنفذ ما يأمر به وما ينهى عنه، وإذا جرينا على هذا المبدأ دائما ولو خالف ميولنا وشهواتنا فقد أدينا ما علينا من الواجب وسرنا سيرا أخلاقيا».
অজানা পৃষ্ঠা