ولا يختلف نظام القتال عند الفرس عن نظام القتال عند الروم إلا اختلافا يسيرا. والجيش الفارسي على ما يظهر كان منقسما إلى كتائب، والكتيبة تقابل الكردوس وتبلغ قوتها ألف مقاتل، وكان خط القتال فيه ينقسم إلى القلب والميمنة والميسرة، وكانت كتائب الخيالة تحمي الجانبين على ما هو شائع، وكانت الفيلة تتقدم في جبهة القتال وعلى ظهورها الجنود المسلحون بالحراب والقسي، والذي يلفت النظر أنه كان للرماة شأن خطير في الجيش الفارسي، ولعل المشاة كانوا جميعا مجهزين بالقسي وجد ماهرين في الرماية.
ومن الأساليب التي كان الجيش الفارسي يلجأ إليها في حرج الموقف ربط الرجال بعضهم ببعض بالسلاسل لكي يثبتوا في محلهم مهما كلفهم الأمر.
فإزاء هذه الأنظمة الشائعة بين الدول الكبرى المجاورة لبلاد العرب كان طبيعيا أن يسير العرب على أسلوب معين في قتالهم.
ولم ينزو العرب في عقر دارهم في السنوات التي سبقت الفتوح، والرواة يروون هجوم الحبشة على بلاد اليمن، وتوغلهم فيها بعد انتصارهم على الجيش اليماني، ويشيرون إلى التجاء تبابعة اليمن إلى أكاسرة فارس وطلب النجدة منهم، فخاض الجيش الفارسي عباب البحر على أسطوله ورست سفنه على شواطئ اليمن، وحارب الأحباش وانتصر عليهم وطردهم من اليمن.
والقصاصون ينقلون أخبار المناذرة والغساسنة في حروبهم ومساعدتهم لكسرى أو لقيصر في الحروب الطاحنة التي دارت رحاها بين الفرس والروم، وقد ورد في القرآن الكريم نتف من أخبارها.
أما مؤرخو الرومان فيذكرون انتصار ملك تدمر أذينة على الرومان واعتزاز زوجه الزباء (زينوبيا) بالعاصمة تدمر.
فهذا الاحتكاك المستمر بين العرب والأمم المجاورة لهم والاشتراك في القتال مع الجيوش الأجنبية منجدين أو مستنجدين، والغارات المتوالية على أرض السواد في العراق أو أرض الشام، كل أولئك حمل العرب على اقتباس بعض الأساليب الحربية الشائعة عند الفرس والروم؛ لذلك لا يأخذنا العجب إذا سمعنا أن للمناذرة كتيبتين أو كردوسين: الدوسر والشهباء، وأن بكر بن وائل قاتلت الفرس في يوم ذي قار على تعبئة.
ومن المبادئ الحربية التي كان العرب يتمسكون بها في قتالهم مبدأ المباغتة والمقدرة على الحركة والأمنية. فالمباغتة من أخطر المبادئ التي كانوا يتوخون منها الفوز في جميع خططهم؛ لذلك تدل أخبار أيامهم ووقائعهم في الردة على عنايتهم الزائدة بالاستطلاع، فكانت العيون تسبق حركاتهم، فإما أن يباغتوا عدوهم بأخذه على غرة، أو أن يكمنوا له فيفاجئوه.
أما مبدأ المقدرة على الحركة فظاهر من سيرهم على ظهور خيلهم أو جمالهم خفافا مسافات بعيدة بسرعة فائقة، وأما عنايتهم بمبدأ الأمنية فمعلوم من إيفادهم الأرصاد والعيون، ووضع الخيالة في المجنبة في القتال، ومراقبة جانب العدو مراقبة مستمرة للهجوم عليه عند سنوح الفرصة.
ومن المحتمل أننا لا نرى في كتب التاريخ مثالا للحركة السريعة التي قام بها خالد بن الوليد حين أمره عمر بنجدة جيش سورية وهو يحارب في العراق، فقطع ابن الوليد البادية بجيش يبلغ عدده تسعة آلاف مقاتل على ظهور الخيل والجمال، وابتدع وسيلة لضمان الماء اللازم لخيله، وذلك عمل يدل على نبوغ نادر، وسنشير إلى ذلك عند البحث في فتح العراق.
অজানা পৃষ্ঠা