الدرس الخالد
خالد القائد
أسباب الحروب
الدرس الخالد
خالد القائد
أسباب الحروب
خالد بن الوليد
خالد بن الوليد
تأليف
طه الهاشمي
অজানা পৃষ্ঠা
الدرس الخالد
جدير بالضباط أن يدرسوا حركات خالد بن الوليد في حروب الردة، أو في فتح العراق، أو فتح سورية، ومن الواضح أنهم سيطلعون على الأسس القويمة التي كان يسير عليها ويرون فيها تنفيذ مبادئ الحرب التي لا تزال مرعية حتى يومنا هذا.
خالد القائد
يعد خالد بن الوليد من أكبر قادة العرب في عهد الفتوح الأولى، وهو بلا منازع من أفذاذ الرجال الذين حالفهم النصر وأيدهم الظفر في المعامع والحروب بلا استثناء.
ولم يذكر قط له التاريخ وقفة خسر فيها المعركة وهو قائدها، حتى في معركة مؤتة التي وقعت في السنة الثانية للهجرة في شرقي الأردن بين الطفيلة والكرك، أنقذ خالد المسلمين ببطولته وإقدامه، برغم تفوق الأعداء الأكيد وموت الذين تولوا القيادة على التعاقب عملا بوصايا الرسول.
وفي غزوة أحد كان خالد يقود خيالة قريش، فبقي في الميمنة يشاغل ربيئة المسلمين الموفدة لحماية الميسرة بالهجوم عليها من حين إلى آخر، ويراقب سير القتال بين المسلمين وقريش، إلى أن رأى ربيئة المسلمين تركت موضعها وسارعت للاشتراك في الغنيمة، فهجم بخيالته ملتفا وراء المسلمين، وقاطعا عليهم خط الرجعة، فقلب نصر المسلمين إلى انكسار انتهى إلى انهزام المسلمين وجرح الرسول.
قلنا: من الوقائع التي اشترك فيها خالد بن الوليد في عهد إشراكه وإسلامه، أن تلك الوقائع جميعا انتهت إلى النصر المبين، ومما لا شك فيه أن خالدا من أقدر قواد العرب على القيادة، فجدير بالضباط أن يدرسوا حركاته في حروب الردة، أو في فتح العراق، أو فتح سورية، ومن الواضح أنهم سيطلعون على الأسس القويمة التي كان يسير عليها ويرون فيها تنفيذ مبادئ الحرب التي لا تزال مرعية حتى يومنا هذا.
ولقد قال خالد قبل وفاته إنه شهد مائة زحف أو زهاءها، وما في بدنه موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، ولا نبالغ إذا قلنا إنه خرج من تلك الزحوف بأجمعها غالبا منصورا. (1) مصادر البحث
من العسير جدا البحث في أخبار الفتوح الأولى بحثا يمكننا من الاطلاع على الخطط العسكرية والأسباب التي أدت إلى وضعها والنتائج التي أسفرت عنها الحركات؛ ذلك لأن القصاصين أو مدوني السير والمغازي أو مؤرخي الفتوح ليسوا من أبناء الجيل الفاتح؛ فقد دونوا الأخبار بالسماع أو نقلا بالإسناد، وقد نراهم غير متفقين في تدوينهم الأخبار على التاريخ والمكان اللذين وقعت فيهما المعركة، ولا على مقدار القوة التي اشتركت فيها، ومن المعارك ما لم يتفق المؤرخون على زمن وقوعها، والحقيقة أن التاريخ العسكري يثبت المعارك التي جرت قبل الميلاد بمقدماتها ونتائجها وتفاصيلها، وقد يستخرج منها الباحث الأسس الحربية دون عناء.
فالمعارك التي نشبت بين الجيش المكدوني بقيادة الإسكندر والجيش الفارسي في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، تم تدوينها بصورة أقرب إلى الصحة من الوقائع التي نحن بصددها.
অজানা পৃষ্ঠা
أما المعارك التي جرت بين الجيوش الرومانية وجيوش الأقوام المهاجرة، والقتال الذي نشب بين القياصرة والقواد المطالبين بالعرش، فأخبارها مفصلة في كتب التاريخ إلى حد أن الباحث فيها لا يرى مشقة في استقصاء الحوادث.
فمعركة «كانية» التي نشبت سنة 216 قبل الميلاد بين الجيش القرطاجني بقيادة هنبال والجيش الروماني، كانت ولا تزال مثالا ينسج القادة العظام على منواله تعبئة الجيش في ميدان المعركة، وهي بلا منازع معركة نموذجية تتوق نفس كل قائد إلى تقليدها.
والسبب في تدوين أخبار هذه المعركة تدوينا صحيحا، مع أنها نشبت قبل الفتوح العربية بعدة قرون، هو أن المؤرخين الذين أثبتوا أخبارها، إما أنهم اشتركوا فيها فعلا، وإما أنهم قادوها بأنفسهم، وإما أنهم عاشوا في زمن وقوعها؛ فالقائد زينوفون اليوناني الذي قاد العشرة الآلاف من بلاد بابل إلى بلاد اليونان راجعا بهم إلى بلاده سجل حوادث تلك الرجعة في كتابه «الزحف» (أناباسيس)، وهذا الكتاب لا يزال مرجع ثقة الباحثين العسكريين، وكذلك سجل يوليوس قيصر أخبار فتوحه في بلاد جرمانية في كتاب «الحروب الغالية».
أما المؤرخون العرب الأولون فلم يدونوا أخبار الغزوات النبوية وحروب الردة والفتوح التي تمت في النصف الأول من القرن الهجري إلا بعد انقضاء جيلين على أقل تقدير.
وأول من جمع الوثائق الباحثة في الغزوات والفتوح الأولى عروة بن الزبير، المتوفى سنة 94 هجرية؛ فإن عروة جمع تلك الوثائق في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان؛ أي بعد وفاة الرسول بستين سنة، ودونها دون إسناد. ويلي عروة في التدوين ابن إسحاق، المتوفى سنة 151 هجرية، مقتبسا معلوماته من عروة. أما ابن هشام المؤرخ للسير النبوية، فاستقى أخباره من ابن إسحاق، مع أنه توفي بعده بقرن ونصف قرن؛ أي سنة 213 هجرية. ويأتي بعده ابن سعد الواقدي الباحث في حروب الردة، والمدون للفتوح العربية في العراق وفي سورية، وتوفي سنة 230 هجرية، بعد أن عاش 62 سنة، ويليه المؤرخ المشهور الطبري، وهو بلا منازع أول مؤرخ عربي أثبت الأخبار التاريخية بطريقة علمية. وتوفي في سنة 310 هجرية بعد الفتوح العربية الأولى بقرنين ونصف قرن على أقل تقدير.
والحقيقة أن كتاب تاريخ الطبري هو العمدة في استقصاء أخبار الفتوح العربية، وهو المرجع الأول والأخير. وهكذا يتضح لك أن رواة الفتوح أو مؤرخيها لم يشتركوا في وقائع الفتوح، أو أنهم لم يعاصروا أولئك الفاتحين؛ بل إنهم دونوا أخبارها سماعا أو نقلا بعد مرور مدة غير يسيرة على الفتوح، وكان لزاما أن تأتي الأخبار ناقصة ومشوشة ومتناقضة، حتى أمسى الباحث فيها لا يهتدي إلى استنباط بعض الحقائق إلا بشق النفس. والذي يزيد البحث إشكالا كثرة الرواة الذين استند إليهم المؤرخون في تدوين الأخبار، وأنت تراهم يسخون برواية غثها ويبخلون بسمينها.
وثمة تناقض بين أخبار الرواة المنتمين إلى الديوان الحجازي والرواة المنتمين إلى الديوان العراقي، وكذلك نجد تناقضا في الروايات التي ينقلها المضري والربيعي واليماني والقيسي؛ لأن كلا من هؤلاء حاول أن ينسب مفخرة الموقعة إلى قبيلته، وقد يكون غير مشترك. (2) دار الحركات
إن الساحة التي جرت فيها الحركات تمتد من سواحل البحر الأحمر في الحجاز، وتنتهي في أرض الدهناء التي تفصل بين مقاطعة الحسا ومقاطعتي العارض والسدير، وهذه الساحة تتناول شمالي الحجاز وجبل شمر وبلاد نجد.
والأرض التي تتكون منها هذه الساحة صحراوية الوصف على العموم، والمياه فيها قليلة والغابات لا أثر لها فيها، وتتخللها واحات نبتت فيها أشجار النخيل وبعض أشجار الفاكهة، وقد تكونت في المنخفضات التي تنصرف إليها مياه الأمطار بسهولة؛ حيث تكثر الآبار الضحلة، وتقطع الوديان هذه الساحة، وتكاد تبدأ جميعا من هضبة نجد المرتفعة فتجري في جهات مختلفة، ويصب بعضها في البحر الأحمر، والبعض الآخر في خليج فارس أو في جهة الربع الخالي، والوديان يابسة على العموم، وهي ضيقة ووعرة عند اجتيازها المناطق الجبلية، وعريضة سهلة عند مرورها بالبادية.
وينبت في بعض أنحائها شجر الأثل والشوك والطلح وغير ذلك من الأشجار التي تتحمل العطش، وعندما تنزل الأمطار تجري إليها المياه من كل جانب، فتغطي الوديان سيول المياه الجارفة الجارية بسرعة، وتصب إما في البحر وإما في الأنفدة الرملية.
অজানা পৃষ্ঠা
والجبال في المنطقة التي جرت فيها الحركات قليلة، وهي لا تتعدى سلسلة طويق في نجد تمتد من الشمال إلى الجنوب في جبلين متوازيين، ويشرف الجبل الغربي على رمال الدهناء الواقعة بين خليج فارس ونجد، والسلسلة جرداء، لا نبت ولا ماء. وفي القسم الجنوبي من منطقة العارض يفصل وادي حنيفة هذين الجبلين أحدهما عن الآخر، فيجري أولا من الشمال إلى الجنوب بعد أن تصب فيه عدة شعب من الشرق والغرب، وفي جنوبي الرياض يغير مجراه إلى الجنوب الشرقي فيصب في رمال الأحقاف.
وما عدا سلسلة طويق نجد سلسلتين أخريين في منطقة جبل شمر، وهما: جبل أجأ وجبل سلمى، وهما موازيان يفصل أحدهما عن الآخر وادي الفسن، ويمتد كلا الجبلين من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وجبل أجأ باتصاله بالجبال المنفردة الواقعة في جنوب غربية يكون سلسلة طويلة تمتد إلى حرة خيبر في الحجاز.
والسلسلتان حجريتان ارتفاعهما من 500 إلى 800 متر، والجبال المتفرقة التي تتشعب من هاتين السلسلتين تحيط بها الكثبان الرملية والبادية الواقعة بين الحجاز، وسلسلة طويق متكونة من هضبة مرتفعة يتفاوت ارتفاعها من 1000 متر إلى 1500 متر، ويكتنفها بعض الروابي الحجرية المنفردة. وهذه الهضبة تنفصل عن هضبة جبل سمر بوادي الرمة الذي يبدأ من حرة خيبر، ويجري من الغرب إلى الشرق، وبعد أن يسقى بآبار منطقة القصيم الغنية يغير جهته إلى الشمال الشرقي إلى أن يصب في أرض السواد بجوار البصرة.
والوادي هنا أخطر الوديان الواقعة في دار الحركات، وهو يفتح خطوط الحركات بين الحجاز ونجد، وعندما تقطع الوديان وشعابها السلاسل الجبلية تكون العقبات المضائق والمنعطفات التي تنساب فيها الطرق.
والساحة مملوءة بالأنفدة الرملية، والكثير منها يتجه من الشمال إلى الجنوب أو من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي؛ لذلك تعترض الوديان الطرق الممتدة من الغرب إلى الشرق.
ومن جملة العوارض التي تتصف بها دار الحركات الحرات، وهي الأراضي البركانية التي تكتنفها الحجارة الخامدة، وهذه الحرات واقعة إلى شرقي الحجاز وأخطرها حرة خيبر الواقعة في شمال المدينة مسافة بضع مراحل.
والبقاع الآهلة بالسكان في هذه الساحة هي الواحات في بطن الوديان أو في الأرض المنخفضة التي انصرفت إلى بطنها مياه الأمطار وأخطرها واحة المدينة في وسط وادي الحمص، ثم واحة بريدة وعنيزة في وسط وادي الرمة، وواحات العارض الممتدة على طوار وادي حنيفة، ثم واحات السدير وواحة خيبر، وواحات جبل شمر.
وتمتد الطرق في الوديان للاستفادة من المياه المتراكمة فيها في زمن الأمطار من الآبار المحفورة على طوارها، وهذه الطرق تبدأ من المدينة، ومنها ما يتجه شمالا، فبعد أن يمر بخيبر يمتد إلى وسط جبل شمر سالكا السفوح الجنوبية لسلسلة أجأ، ومنها ما يتجه نحو الشمال الشرقي إلى أن يهبط إلى وادي الرمة فيسلكه حتى يصل إلى واحات نجد الغنية، ولا سبيل إلى السير على خارج الطرق لوعورة الأرض وندرة الماء فيها.
أسباب الحروب
مات رسول الله والإسلام لم يتمكن من قلوب جميع العرب الساكنين في الجزيرة، وادعى بعض الرؤساء النبوة في آخر أيام الرسول، وارتد الكثير من العرب بعد وفاته.
অজানা পৃষ্ঠা
والثابت أن الذين تمكن الإسلام من قلوبهم ولم يتزعزع إيمانهم هم المهاجرون والأنصار وقريش وثقيف والقبائل الساكنة بين المسجدين (المدينة ومكة) على ما يذكره الطبري.
ولم يكن تأثير الردة في القبائل على نمط واحد؛ بل كان الأثر يختلف باختلاف العوامل، وهي تتلخص فيما يلي: (أ)
قرب المنطقة التي تسكنها القبيلة من المدينة أو بعدها. (ب)
علاقة القبيلة بالمدينة. (ج)
قرب عهد القبيلة بالإسلام أو بعده.
ولقد ناقش المستشرق الطلياني لئونه كاتياني هذه العوامل في كتابه «تاريخ الإسلام»، فصنف العرب حيث علاقتهم بحروب الردة إلى خمسة أصناف؛ فوضع في الصنف الأول القبائل التي أسلمت منذ مدة طويلة وخضعت لسلطة المدينة خضوعا تاما، وهي القبائل التي تسكن بالقرب من المدينة ومكة وفيما بينهما؛ كجهينة ومزينة وبلي وأشجع وأسلم وهذيل وخزاعة وغيرها.
ووضع في الصنف الثاني القبائل التي تعاقدت مع الرسول واشتركت في المدة الأخيرة في حروبه، وقد كان فيها، على إسلامها، أقلية مختلفة تنتهز الفرص للتملص من سلطة المدينة، ومن هذه القبائل هوازن وعامر بن صعصعة وطيء وسليم وجثعم.
ووضع في الصنف الثالث القبائل الساكنة على حدود المملكة الإسلامية، فخضعت هذه القبائل سياسيا لسلطة المدينة، ودفعت الصدقات إلى الرسول، وفيها أكثرية تتحين الفرص للرجوع إلى حالتها القديمة، ومن أخطر هذه القبائل بنو أسد وبنو غطفان وبنو تميم الساكنون في مناطق نجد الغنية.
ووضع في الصنف الرابع القبائل التي لم تخضع لسلطة المدينة؛ بل اكتفت بإرسال الوفود إلى الرسول وتظاهرت بالخضوع له، فيها أقلية مسلمة ضئيلة تستند إلى قوة المسلمين في المدينة للاحتفاظ بمنزلتها، ومن أخطر هذه القبائل بنو حنيفة وعبد القيس وأزد عمان، وأكثر قبائل حضرموت واليمن. وأوفد الرسول إليها عمالا ليمثلوا الإسلام وليعلموا المسلمين أمور الدين.
أما القبائل التي وضعها في الصنف الخامس فهي القبائل التي لم تسلم وكانت نصرانية أو مشركة، وهي القبائل الساكنة في الشمال كبني كلب وبني تغلب وبني غسان وقضاعة وتنوخ وبني بكر وبعض القبائل في حضرموت واليمن.
অজানা পৃষ্ঠা
ولكني لا أجاري المؤرخ الطلياني في تصنيفه هذا؛ بل من الثابت أن تأثير الإسلام في القبائل العربية كان يختلف باختلاف العوامل التي ذكرناها قبلا. والواقع أن الرسول لم يمت إلا وقد ظهرت حركة الردة في القبائل، فمنها من طلب إعفاءه من إعطاء الزكاة، ومنها من امتنع من إعطائها، ومنها من قدم رجلا وأخر أخرى في ذلك، فأمسك عن الصدقة، وأخيرا منها من ارتد وطرد عمال الرسول، أو قتل المسلمين ومثل بهم.
وكان الرسول في حياته قد حرض عماله في اليمن على مقاتلة الأسود العنسي الذي ادعى النبوة، واستولى على أكثر مقاطعات اليمن.
أما أبو بكر فرد الوفود التي أتت إلى المدينة وطلبت منه أن يعفيها من إعطاء الزكاة، وقال كلمته المشهورة:
والله لو منعوني عقال بعير لقاتلتهم عليه.
ولما وردت الكتب من أمراء الرسول تنبأ أبو بكر بأن الناس ارتدوا عامة وخاصة، وأنهم تبسطوا بالتمثيل فحاربهم. (1) قوات الفريقين
أهل الردة
إذا استقصينا الأخبار التي رواها الرواة توصلنا إلى النتائج التالية:
أولا:
لم ترتد القبائل الساكنة إلى شرقي مكة وغربيها وجنوبيها؛ بل ظلت على الحياد غير ميالة إلى أحد الفريقين، وهي قبائل كنانة وأزد وبجيلة وجثعم وعك وأشعر وحكم وغيرها.
ثانيا:
অজানা পৃষ্ঠা
تأثر بحوادث الردة القبائل الساكنة إلى شمال شرقي مكة كهوازن وعامر بن صعصعة وجديلة، أما بنو سليم فقد ارتد الكثير منهم، بيد أن هذه القبائل جميعا لم تشهر سلاحها في وجه المسلمين.
ثالثا:
أما قبائل طيء فإنها لم تقرر إلى أي جانب تميل، ومع ذلك فإن قسما قليلا منها انضم إلى جيش طلحة الأسدي مدة قصيرة.
رابعا:
وأما قبائل قضاعة الساكنة إلى شمال المدينة فإنها شهرت سلاحها على المسلمين.
ومع ذلك لا يصح أن يقال: إن هذه القبائل جميعا ساعدت أهل الردة الذين ثاروا في وسط الجزيرة؛ بل إن بعضها ظل في منطقته، إما على الحياد، وإما مترددا لا يحرك ساكنا، وإما أنه طرد العمال الموفدين من المدينة في عهد الرسول.
لذلك لا يجوز اعتبار هذه القبائل من القبائل الساكنة في وسط الجزيرة التي حشدت رجالها وأغارت على ضواحي المدينة، أو أنها تأهبت لمنازلة جيش المسلمين.
أما القبائل التي اشتركت في حروب الردة فعلا، فإليك بيانها: (1)
بنو فزارة وبنو غطفان الساكنون إلى شرقي المدينة، وطلبوا من أبي بكر أن يعفيهم من الزكاة، ولما لم يجب طلبهم رجعوا فجمعوا رجالهم وتأهبوا لمباغتة المدينة. (2)
بنو أسد الساكنون على منتصف الطريق التي بين الحجاز ونجد إلى جنوبي جبل شمر، ويزعم الرواة أن طليحة بن خويلد الأسدي ادعى النبوة في حياة الرسول وجمع رجاله في السميراء.
অজানা পৃষ্ঠা
ولما توفي الرسول وامتنعت القبائل من إيتاء الزكاة سعى إلى جمع القبائل حوله واقترح عيينة بن حصن الفزاري ترك المنازعات بين بني أسد وبني غطفان وعقد حلف بين بني فزارة وبني غطفان وبني أسد.
لبى بنو فزارة هذه الدعوة واتحدوا مع بني أسد، وكذلك البعض من بطون طيء أيضا انضم إلى طليحة حتى إن رئيس جديلة بن طيء، ثمامة بن أوس، جمع خمسمائة رجل وانضم إلى بني أسد. (3)
بنو تميم الساكنون في نجد في منطقة القصيم: وتتألف هذه القبيلة من عدة بطون، ولما بلغها نعي الرسول امتنع أكثر بطونها عن أداة الزكاة، وكان الاختلاف قد دب فيها بينها، ولما ظهرت سجاح من شمال الجزيرة بجموعها من تغلب مدعية النبوة، ودخلت حتى بني تميم؛ لأنها كانت تمت إليهم بنسب، التف حولها بعض من تميم وعلى رأسه مالك بن نويرة، ويزعم الراوي سيف بن عمر أنها كلفت مالكا بالمسير معها نحو المدينة للهجوم على أبي بكر، وكان البعض من بطون بني تميم لم يرتد فالتجأ إليه المسلمون الهاربون من البطون الأخرى، فقاتل سجاح ومن معها من بني تميم، ومنعها من التقدم نحو المدينة. والرواة يزعمون أنه انتصر عليها وعلى حلفائها من بني تميم وألجأها إلى مغادرة ديار بني تميم، والذهاب إلى مسيلمة الكذاب. (4)
بنو حنيفة الساكنون في اليمامة: ادعى رئيس هذه القبيلة مسيلمة النبوة، فآمن بنبوته جميع بني حنيفة، ويظهر أن دعوة الإسلام لم تنتشر فيها وكان معظمها مشركا. فلما ادعى مسيلمة بالنبوة آمن بنبوته. وهي ولا ريب من أخطر القبائل التي اشتركت في حروب الردة وقاتلت المسلمين قتالا عنيفا، وذاق المسلمون الأمرين في حروبها. ويزعم الراوي سيف بن عمر أن جيش بني حنيفة المحارب بلغ الأربعين ألفا.
ومن العسير معرفة قوات هذه القبائل التي اشتركت في المعارك، والواضح أن قبائل غطفان وفزارة التي حاولت مباغتة المدينة حتى اضطر أبو بكر إلى مقاتلتها كانت دون القبائل شأنا، ولعل القوات التي جهزتها لم تزد على ألفي رجل.
أما القوة التي استطاع طليحة أن يجهزها ويقاتل بها جيش المسلمين، فكانت تربو على أربعة آلاف مقاتل، وانضم خمسمائة رجل من قبيلة طيء وسبعمائة فارس بقيادة رئيس بني فزارة عيينة بن حصن.
أما بنو تميم فلو اتفقت بطونها وقابلت جيوش المسلمين لبلغت قوتها زهاء عشرة آلاف مقاتل، غير أنها لم تتفق فيما بينها؛ بل حارب بعضها بعضا، ولما وصل خالد بن الوليد بجيشه إلى ديار بني تميم كانت البطون قد تفرقت.
أما بنو حنيفة فكان جيشهم من أقوى الجيوش التي حاربت المسلمين، ومع أن سيفا يزعم أن قوتهم بلغت أربعين ألفا، بيد أننا لا نميل إلى اعتقاد صحة روايته، ولعل قوة جيش بني حنيفة لم تزد عن خمسة عشر ألف مقاتل.
والذي جعل الرواة يبالغون في تقدير جيش بني حنيفة، هو وعورة المنطقة التي حارب فيها المسلمون، والحقيقة أن أرض اليمامة أرض وعرة، فيها وديان وشعاب وجبال وعقبات وثنايا، والذي زاد في مناعة الأرض القرى المحصنة بالأسوار والحدائق المسورة بالأحجار المكدسة شأن الكثير من قرى العارض والسدير في بلاد نجد.
المسلمون
অজানা পৃষ্ঠা
جهز الرسول جيش أسامة قبل وفاته بمدة قليلة، وكان يقصد إيفاده إلى الشمال، واجتمع في الجرف في شمالي المدينة، ولما علم بمرض الرسول أجل حركته.
وبعد وفاته أوفده أبو بكر لينفذ الخطة التي رسمها له الرسول في حياته ونصح بعض الصحابة أبا بكر أن يبقيه لكي يعتز به الإسلام، وأراد بعضهم تبديل قائده، بيد أن الخليفة لم يجب طلبهم ولم يرض أن يبدل ما قرره الرسول، وليس لدينا معلومات موثوق بها عن قوة هذا الجيش؛ لأن المؤرخين القدماء جريا على عادتهم بحثوا في قائده والأوامر الصادرة إليه والغاية المتوخاة من إيفاده وغير ذلك، ولم يذكروا مقدار قوته.
وإذا تأملنا في سبب إيفاده ظهر لنا أن قوته يجب أن تكون كافية، وسبق أن جهز الرسول جيشين لهذه الغاية ذاتها وهما:
جيش جعفر بن أبي طالب الذي قاتل الروم في البلقاء في وقعة مؤتة، وكانت قوته ثلاثة آلاف مقاتل، والجيش الذي قاده الرسول بنفسه ليغزو به تبوك، وقد بالغ المؤرخون في قوته، وزعموا أنه بلغ ثلاثين ألفا.
أما جيش أسامة فهو الجيش الثالث، ونعتقد أن قوته يجب ألا تقل عن خمسة آلاف.
وكان المهاجرون والأنصار نواة هذا الجيش؛ فالمهاجرون والأنصار عماد الجيش الإسلامي، وهم كالحرس الذي كان يؤلفه الملوك للاعتزاز به في تنفيذ خططهم إصلاحية كانت أم حربية.
واشترك هؤلاء في غزوات الرسول وحروبه من أولها إلى آخرها، وكانوا يؤثرون النبي على أنفسهم في جميع أعمالهم، فكان الإسلام متمكنا من قلوبهم، ولا غرو إذا رأينا الإسلام يقوم على سواعدهم بعد وفاة الرسول، ولعل عددهم كان يتفاوت بين الألف والخمسمائة وبين الألفين لما توفي النبي.
وكان أكثرهم في جيش أسامة ما عدا البعض منهم، فإنه بقي في المدينة مع أبي بكر، أو أوفد في حياة الرسول عاملا أو معلما أو مبشرا إلى الأقطار العربية النائية أو جابيا أو معلما إلى القبائل العربية القريبة.
ويلي المهاجرين والأنصار قريش التي أسلمت بعد فتح مكة وأبلت بلاء حسنا في الإسلام بعد ذلك. أجل إنها لبت الدعوة أخيرا وقسرا، إلا أنها اقتنعت أن عز الإسلام من عزها فناصرت الرسول في حياته من أعماق قلبها، حتى إن الرسول بعد فتح مكة رضي أن يظل البعض من قريش مشركا حتى يفتح الله قلبه. ومع ذلك لم يحجم هذا البعض عن الجهاد معه في غزوة صفين أو في محاصرة الطائف، ولعل القوة التي كانت قريش تستطيع أن تجهزها للقتال زادت على ألفي مقاتل على أقل تقدير، ويلي قريشا القبائل الساكنة بين الحرمين، مكة والمدينة، وهي التي ناصرت الرسول في دعوته، وقد اشترك بعضها في الغزوات وجاهدت أخيرا في حروب الرسول فقربت هذه الحروب بينها وبين المهاجرين والأنصار وربطتها برباط متين.
فلا مندوحة إذن من أن نرى أبا بكر يدعوها إلى الجهاد لما كان جيش أسامة بعيدا عن المدينة، فلبت دعوته راغبة مطيعة، وهذه القبائل هي: أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب وغيرها.
অজানা পৃষ্ঠা
ولعل القوة المحاربة في هذه القبائل لم تزد على ثلاثة آلاف، وتليها قبيلة بني ثقيف الساكنة بين مكة والطائف، وهي خير من أسلم من قبائل الحجاز، واشتهرت بشدة مراسها وصلابة عودها، وكانت تعتز بعاصمتها الطائف المسورة، ولم ترتد ثقيف على ما سبق ذكره، بل بقيت متمسكة بالإسلام، وكانت قوتها المحاربة تقدر بأكثر من ألفي مقاتل.
هذه خلاصة القوات التي كان الخليفة يعتمد عليها في محاربته أهل الردة، وقد ظهر لك أنها كانت تبلغ عشرة آلاف متى تيسر جمعها، والواضح أن جيش أسامة بن زيد كان مؤلفا من معظم المهاجرين والأنصار وبعض رجال القبائل، وذلك لما كان أسامة بعيدا عن المدينة؛ إذ أخذت القبائل المرتدة الواقعة إلى شرقي المدينة تهددها.
ولعل من الفائدة أن نذكر بهذا الصدد مقدار القوات التي استطاع الرسول أن يجمعها في حروبه.
كانت قوة المسلمين في غزوة بدر لا تزيد على ثلاثمائة رجل، أما في غزوة أحد فكانت زهاء الألف، وفي غزوة الخندق بلغت ثلاثة آلاف.
أما في فتح مكة إذ ظهرت سطوة الإسلام وقويت شوكة المسلمين فكان جيش المسلمين عشرة آلاف؛ نواته المهاجرون والأنصار، وقوامه رجال القبائل الضاربة إلى شرقي المدينة وشماليها وجنوبيها.
ويزعم الرواة أن جيش الرسول بلغ ثلاثين ألفا في غزوة تبوك، كان عشرون ألفا منه رجالا وعشرة آلاف فرسانا، أجل إن الموقف العسكري كان ملائما لمبادرة رجال القبائل إلى الالتفاف حول راية الإسلام للهجوم على بلاد الشام وهي المشهورة بخيراتها، وذلك يجعل جيش المسلمين يصل إلى حده الأقصى، إلا أننا لا نظن أنه بلغ القوة التي ذكرها الرواة، ولعلها بلغت أكثر من خمسة عشر ألفا.
ولما امتنعت القبائل العربية عن أداء الزكاة، وارتد البعض منها لم يكن في وسع الخليفة أن يجمع كل القوات التي يستطيع أن يعتمد عليها على ما سبق بيانه؛ لأن جيش أسامة كان في الشمال، وفيه نخبة الجنود المجاهدين، أما قريش وثقيف فكانتا بعيدتين عن دار الحركات؛ لذلك دعا أبو بكر القبائل الضاربة بين المدينة ومكة أولا، ولما رجع جيش أسامة استنجد به، ثم أخذ رجال قريش وبعض ثقيف ينضمون إلى الحملات.
ومن الثابت أن قوة المسلمين كانت جد ضعيفة لما تأهب بنو غطفان وفزارة للهجوم على المدينة، ولعلها لم تجاوز بضع مئات. (2) أسلوب القتال
من الخطأ القول بأن ليس للعرب أسلوب في القتال قبل الإسلام، فإن من تتبع أخبارهم في الجاهلية اتضح له أن للقوم مبادئ يسيرون عليها في قتالهم، وكانت هذه المبادئ ملائمة لاستعمال سلاحهم ومنطبقة على البيئة التي يقاتلون فيها.
أجل، إن العرب لم تقاتل بالجموع التي كان يقاتل بها الفرس أو الروم الذين كانت جيوشهم كبيرة قد تربو على المائة ألف في بعض المعارك، وجيش بهذه القوة يحتاج إلى تنظيم لسوقه قبل المعركة وتعبئته فيها. فجيش أولئك الأعاجم كان ينقسم إلى راجلين وفرسان وإلى طاعنين وضاربين ورماة، وكانت الفيلة عند الفرس والعجلات الحربية عند الروم تقوم مقام الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمدافع الضخمة في يومنا هذا.
অজানা পৃষ্ঠা
فنظام القتال عند اليونان كان مستندا إلى «الفيلق» (الفلانكس)، وهو وحدة تعبيرية يبلغ متوسط قوتها 4000 مقاتل، يصطف الجنود فيها على ستة عشر صفا، طول كل صف 256 مقاتلا، والجنود في «الفيلق» (الفلانكس) من المشاة مسلحون بالرمح والسيف والحربة والمغفر والدرع والترس، ويتكون «الفيلق» من القلب ويقف في الخط الثاني الذي يسبقه الخط الأول المؤلف من الرماة، ويليه الخط الثالث، وتقف الخيالة في الميمنة والميسرة لحماية الأجناب.
ويتألف الجيش عادة من أربعة «فيالق» (فلانكسات) متى تيسرت القوة فيه. فتقف «الفيالق» جنبا إلى جنب، وبينها فاصلات صغيرة تتراوح بين عشرين أو أربعين خطوة.
وكان هذا النظام لا يصلح للقتال إلا في الأرض السهلة المنبسطة، والمقدرة على الحركة فيه قليلة، ولا يستطيع تغيير الجبهة متى اقتضى الموقف ذلك، فضلا عن أنه معرض للخسارة إذا أصيب برمي السهام.
أما نظام القتال عند الرومان فكان مستندا إلى «اللجيون»، وهذا ينقسم إلى الكراديس ومجموعها عادة عشرة، وكانت الكراديس سابقا تعبأ على خطين، كل خمسة منها في نسق وبينها فاصلة جهة كردوس، على أن تقف كراديس الخط الثاني وراء فاصلات الخط الأول.
ثم تطور هذا النظام في عهد يوليوس قيصر، فكان اللجيون يقف على ثلاثة خطوط: في الخط الأول أربعة كراديس، وفي كل من الخطين الباقيين ثلاثة، وتبلغ قوة كل كردوس ألف مقاتل.
وتؤلف الكراديس القلب، ويقف أمامه الرماة الذين يرمون العدو بسهامهم أو بحرابهم قبل الاصطدام، ثم ينسحبون إلى المجنبات، أما الخيالة فتحمي المجنبتين.
وكان نظام الكراديس يفوق نظام «الفيلق» (الفلانكس) في المقدرة على القتال والحركة والسير بسهولة، وكان في استطاعة الكراديس أن ينجد بعضها بعضا.
والجانب في اللجيون قوي بخلاف جانب «الفيلق» (الفلانكس)؛ لأن كراديس الجانب متى غيرت ناصيتها استطاعت أن تقابل العدو الملتف حولها.
وسار الروم أو البيزنطيون في قتالهم على نظام الكراديس؛ فأخبار الفتوح الأولى تدل على أنهم كانوا يعبئون قواتهم كراديس ويحمون مجنبتهم بالميمنة والميسرة. وكانت قوة الجيش تختلف باختلاف عدد اللجيونات وتقف على خط واحد، فإما أن تؤلف القلب فتؤلف الخيالة وحدها الميمنة، وإما أن تؤلف القلب والميسرة والميمنة، وتكون الخيالة على الجانبين.
وإذا كان عدد اللجيونات كثيرا يحتوي القلب عادة على أكثرها، وقد زادت قوة الخيالة على ما كانت عليه في زمن الرومان؛ ذلك لأن الأقوام المتوحشة التي هاجرت من آسيا ودخلت أوروبا باغتت رومية بجيوشها الخيالة الكبيرة، ولما توطنت هذه الأقوام في أوروبا واندمجت في المقاطعات الرومانية وجهزت الجنود لجيوش رومية زاد عدد الخيالة فيها، وأصبح للفارس شأن خطير في القتال.
অজানা পৃষ্ঠা
ولا يختلف نظام القتال عند الفرس عن نظام القتال عند الروم إلا اختلافا يسيرا. والجيش الفارسي على ما يظهر كان منقسما إلى كتائب، والكتيبة تقابل الكردوس وتبلغ قوتها ألف مقاتل، وكان خط القتال فيه ينقسم إلى القلب والميمنة والميسرة، وكانت كتائب الخيالة تحمي الجانبين على ما هو شائع، وكانت الفيلة تتقدم في جبهة القتال وعلى ظهورها الجنود المسلحون بالحراب والقسي، والذي يلفت النظر أنه كان للرماة شأن خطير في الجيش الفارسي، ولعل المشاة كانوا جميعا مجهزين بالقسي وجد ماهرين في الرماية.
ومن الأساليب التي كان الجيش الفارسي يلجأ إليها في حرج الموقف ربط الرجال بعضهم ببعض بالسلاسل لكي يثبتوا في محلهم مهما كلفهم الأمر.
فإزاء هذه الأنظمة الشائعة بين الدول الكبرى المجاورة لبلاد العرب كان طبيعيا أن يسير العرب على أسلوب معين في قتالهم.
ولم ينزو العرب في عقر دارهم في السنوات التي سبقت الفتوح، والرواة يروون هجوم الحبشة على بلاد اليمن، وتوغلهم فيها بعد انتصارهم على الجيش اليماني، ويشيرون إلى التجاء تبابعة اليمن إلى أكاسرة فارس وطلب النجدة منهم، فخاض الجيش الفارسي عباب البحر على أسطوله ورست سفنه على شواطئ اليمن، وحارب الأحباش وانتصر عليهم وطردهم من اليمن.
والقصاصون ينقلون أخبار المناذرة والغساسنة في حروبهم ومساعدتهم لكسرى أو لقيصر في الحروب الطاحنة التي دارت رحاها بين الفرس والروم، وقد ورد في القرآن الكريم نتف من أخبارها.
أما مؤرخو الرومان فيذكرون انتصار ملك تدمر أذينة على الرومان واعتزاز زوجه الزباء (زينوبيا) بالعاصمة تدمر.
فهذا الاحتكاك المستمر بين العرب والأمم المجاورة لهم والاشتراك في القتال مع الجيوش الأجنبية منجدين أو مستنجدين، والغارات المتوالية على أرض السواد في العراق أو أرض الشام، كل أولئك حمل العرب على اقتباس بعض الأساليب الحربية الشائعة عند الفرس والروم؛ لذلك لا يأخذنا العجب إذا سمعنا أن للمناذرة كتيبتين أو كردوسين: الدوسر والشهباء، وأن بكر بن وائل قاتلت الفرس في يوم ذي قار على تعبئة.
ومن المبادئ الحربية التي كان العرب يتمسكون بها في قتالهم مبدأ المباغتة والمقدرة على الحركة والأمنية. فالمباغتة من أخطر المبادئ التي كانوا يتوخون منها الفوز في جميع خططهم؛ لذلك تدل أخبار أيامهم ووقائعهم في الردة على عنايتهم الزائدة بالاستطلاع، فكانت العيون تسبق حركاتهم، فإما أن يباغتوا عدوهم بأخذه على غرة، أو أن يكمنوا له فيفاجئوه.
أما مبدأ المقدرة على الحركة فظاهر من سيرهم على ظهور خيلهم أو جمالهم خفافا مسافات بعيدة بسرعة فائقة، وأما عنايتهم بمبدأ الأمنية فمعلوم من إيفادهم الأرصاد والعيون، ووضع الخيالة في المجنبة في القتال، ومراقبة جانب العدو مراقبة مستمرة للهجوم عليه عند سنوح الفرصة.
ومن المحتمل أننا لا نرى في كتب التاريخ مثالا للحركة السريعة التي قام بها خالد بن الوليد حين أمره عمر بنجدة جيش سورية وهو يحارب في العراق، فقطع ابن الوليد البادية بجيش يبلغ عدده تسعة آلاف مقاتل على ظهور الخيل والجمال، وابتدع وسيلة لضمان الماء اللازم لخيله، وذلك عمل يدل على نبوغ نادر، وسنشير إلى ذلك عند البحث في فتح العراق.
অজানা পৃষ্ঠা
وفي غزوة أحد كانت قوة المسلمين ألف رجل تخلف منها ثلاثمائة رجل، وكانت قوة قريش ثلاثة آلاف رجل، فنظر الرسول في كثرة قوة العدو فأخلى المدينة وانسحب إلى شمالها جاعلا جبل أحد خلفه للاستفادة من مناعته ومن وضعه المشرف على ما حوله، ولما لم يكن الجانب الأيسر مسنودا بقوة! وضع فيه مفرزة رماة بقوة خمسين رجلا لحمايته، أما جيش قريش فرتب صفوفه للهجوم بعد أن وضع قوة الخيالة على مجنبته، وكانت تبلغ مائتي رجل، وقدم الرماة في الخط الأول.
وكان خالد على رأس خيالة قريش في الجانب الأول يراقب رماة المسلمين ويشاغلهم ويتحين الفرص للهجوم عليهم؛ لكي يقطع خط الرجعة على المسلمين، وفعلا استطاع ذلك لما سنحت الفرصة فقلب فوز المسلمين إلى انكسار مروع؛ فهذا كله يثبت لنا أن للعرب أسلوبا في القتال، وأن مبدأ المباغتة ومبدأ الأمنية كانا من أخطر المبادئ التي ساروا عليها.
وفي يوم ذي قار نرى بوضوح النظام الذي سار عليه العرب في قتالهم الفرس وهو يؤيد ما ذهبنا إليه.
ولا يخفى أن معركة ذي قار وقعت بين غزوة بدر وغزوة أحد فانتقم فيها العرب من الفرس ونالوا ظفرا حاسما شجعهم على الاستهانة بقوة فارس، وساعدهم على غزو بلاد السوار غزوا متواصلا حتى آل الأمر إلى فتحهم تخوم العراق.
ويروي لنا صاحب الأغاني أخبار ذلك اليوم بالتفصيل، والواضح من ذلك أن العرب عبئوا قوتهم صفوفا وقسموها إلى كتائب، وجعلوا الظعن في الوراء ليحموه بقلبهم، وكان بمنزلة القاعدة التي يتمون منها الجيوش في يومنا هذا، وتوضع الخطط الحربية لحمايتها.
وأقاموا قوة في الميمنة من بني عجل، وقوة في الميسرة من بني شيبان.
أما القلب فألفته قبائل بني بكر بن وائل، ومن الأساليب التي ساروا عليها أنهم لم يقدموا الصفوف للقتال دفعة واحدة لكيلا تصيبها سهام الفرس فتفتك بها، وكان الفرس، على ما نعلم، ماهرين في الرماية. والحقيقة أن تقديم الصفوف بأجمعها في وقت واحد يجعلها عرضة للسهام دفعة واحدة، بينما البدء بالحركة بكتيبة واحدة يجعل الصفوف الأخرى في مأمن من ضررها، وهذا من الأساليب التي كانت تراعى في هجوم الخيالة على المشاة؛ إذ تبدأ الحملة بخط منتشر ضعيف من الخيالة وتليها الخطوط المنظمة.
فالعرب على ما يظهر جليا دخلت ميدان القتال بنظام لم يكن أقل شأنا من نظام الفرس، وكان من أمره أن هزموهم شر هزيمة، وطاردوهم إلى أرض السوار بعد أن غنموا أحمالهم وأثقالهم.
ولعل الطريق التي سار عليها الرسول
صلى الله عليه وسلم
অজানা পৃষ্ঠা
في غزوة بدر تدل على فكرة التعبئة عند العرب. كانت قوة المسلمين تبلغ ثلاثمائة مقاتل بينهم خيال أو خيالان فقط، بينما كانت قوة قريش تربو على الألف وفيها مائة خيال.
وكان القصد من هذه الغزوة مباغتة قافلة قريش عند عودتها من الشام إلى مكة، ولما وصلت قوة المسلمين إلى مياه بدر علمت من الأسرى أن قريشا أنجدت القافلة بقوة كبيرة كانت ثلاثة أضعاف قوة المسلمين، وكان لا بد من الاصطدام؛ لأن انسحاب المسلمين دون القيام بعمل ما، يؤثر في سطوة الإسلام ويشجع المنافقين على الشغب.
لذلك قرر الرسول أن يقاتل قريشا بقوته الضعيفة على أن يزيد مناعتها بالتدابير التعبيرية الموافقة، فاختار موضعا يهيمن على معسكر قريش وقسم قوته إلى ثلاثة أقسام، وجعل لكل قسم قائدا، ورتب الأقسام بعضها بجانب بعض وعبأها صفوفا كالبنيان المرصوص، وعرض الصفوف بنفسه فقدم المتأخر من الجنود وأخذ المتقدم منهم، فأصبحت الصفوف متراصة.
ومنع المسلمين من رمي السهام ومن التفاخر، وطلب منهم ألا يتقدموا من محلهم، ولا يرموا إلا بعد أن تدنو قريش منهم على مسافة قريبة، وكان يقصد بذلك أن تصيب السهام قوة قريش الفائقة فلا تتبعثر. وبفضل هذه الترتيبات انتصر المسلمون على قريش مع قلة عددهم وضآلة سلاحهم، ولا شك في أن القتال بالكر والفر كان شائعا عند العرب، ولعلهم كانوا يستعملونه كثيرا في غزواتهم لأخذ الثأر أو لجر مغنم، وكان يقع بين متقاتلين يبلغ عددهم العشرات ولا يجاوز المئات، ولما كانوا يقاتلون بالجموع في أيامهم الشهيرة أو في مقاتلتهم الفرس أو الروم كانوا بلا ريب يعبئون قواتهم صفوفا. (3) الحركات الأولية
والواضح من أخبار الرواة أن مناوشات طفيفة وقعت قبل أن يتسلم خالد بن الوليد قيادة الجيش للقضاء على أهل الردة في بلاد نجد.
والظاهر أن الرواة لم يتفقوا على أخبار هذه المناوشات جديا على عادتهم، والروايات المنتهية إلى سيف بن عمر، وهو الراوي الذي يستند إليه الطبري في ذكر الكثير من أخباره، تبحث في قتال عنيف وقع بين المسلمين وأهل الردة قبل أن يزحف خالد بجيشه إلى طليحة بن خويلد الأسدي في بزخ. أما الأخبار التي يرويها الواقدي والبلاذري فتذكر قتالا طفيفا جرى في ذي القصة أو البقعاء بين مقدمة المسلمين وعبس وذبيان انتهى بهزيمة المرتدين بعد أن رأوا أن كوكب (القسم الأكبر) جيش المسلمين وصل لنجدة المقدمة، وأن قسما من هذا الجيش طاردهم إلى ثنايا العوسجة، ولما لم يلحق بهم عاد إلى المعسكر، ولم يتفق الرواة على هذا القتال أجرى قبل عودة جيش أسامة بن زيد أم بعد عودته من بلاد الشام.
ومن الأخبار ما تروي أن كبار الصحابة أشاروا على أبي بكر ألا يرسل جيش أسامة بعد أن وردت الأخبار بارتداد العرب، إلا أن أبا بكر لم يقدم على تغيير ما أمره الرسول به في حياته، والذي اتفق عليه الرواة أن جيش أسامة لم يغب عن المدينة أكثر من شهرين، وكان الجيش متجمعا في الجرف في شمال المدينة لما توفي الرسول، ومع أن أكثر الرواة يزعم أن أخبار الارتداد في الشرق والشمال والجنوب الشرقي وردت قبل حركة جيش أسامة؛ وذلك ما جعل كبار الصحابة يشيرون على الخليفة بإبقاء الجيش ليعتز المسلمون به في محاربتهم أهل الردة، إلا أن الواقع لا يؤيد ذلك؛ إذ لا يعقل أن يصل نعي النبي إلى بلاد عمان والبحرين فيرتد أهله، ويصل ذلك النعي إلى المدينة وجيش أسامة قاعد لا يحرك ساكنا، وإذا كان الخليفة يريد أن ينفذ أوامر الرسول، فلماذا يؤخر حركة هذا الجيش طول هذه المدة، وتدل الأنباء على أن أول من أنبأ بالارتداد عامل المكة، وأعقبه عامل الطائف بالخبر، ثم ورد عمرو بن العاص إلى المدينة بخبر ارتداد أهل عمان والبحرين ونجد، وكان الرسول بعد حجة الوداع قد أوفده إلى عمان، فلما بلغه نعي النبي
صلى الله عليه وسلم
قفل راجعا إلى المدينة، وأخبر بوضوح أن العرب ارتدت من ربى إلى المدينة، والمدة التي تصل فيها أخبار الوفاة إلى عمان ليست قصيرة، كما أن السفر من عمان إلى المدينة أيضا يتطلب عدة أيام، أما المسافة بين عمان والمدينة 1250 ميلا (أعني مسيرة أكثر من عشرين يوما على الذلول).
ومن الواضح أن كبار الصحابة لم يرتئوا إبقاء جيش بمجرد رؤيتهم قبائل فزارة وغطفان يرتدون، والأمر الذي لا شك فيه أن خبر امتناع بعض القبائل العربية القريبة من المدينة عن تأدية الزكاة ورد إلى المدينة قبل حركة جيش أسامة، وإذا صح ادعاء الرواة فإن خبر ارتداد العرب في أقصى البلاد ورد إلى أبي بكر، فأطلعه على حرج الموقف قبل سفر جيش أسامة، فيكون الخليفة قد جازف مجازفة خطيرة بإيفاده الجيش شمالا، بينما كان الخطر يهدد المسلمين في عقر دارهم.
অজানা পৃষ্ঠা
ومن الرواة من يزعم أن أبا بكر شرع في قتال أهل الردة بعد عودة جيش أسامة، ومنهم من يدعي أن قتال ذي القصة والربذة جرى قبل عودة جيش أسامة. أما نحن فنميل إلى الاعتقاد أن القتال وقع قبل عودة الجيش؛ إذ لا يعقل أن تتواطأ غطفان على الهجوم على المدينة وتعلم بأن جيش أسامة رابط في شماله، بينما الروايات التي يستند إليها الواقدي والبلاذري تدل على أن قوة المسلمين كانت ضعيفة في ذلك القتال. (4) الشروع في العصيان
أول من شرع في العصيان خارجة بن حصين الفزاري من رؤساء بني فزارة؛ إذ إنه أوقف جابي الزكاة في طريقه إلى المدينة، وأخذ منه ما في يده، فرده على بني فزارة، ورجع الجابي إلى أبي بكر، أما القبائل التي ثارت وتظاهرت بالعداء فهي بنو أسد وغطفان، والبعض من بطون طيء، فاجتمع بنو أسد في سميراء، وعلى رأسهم طليحة بن خويلد، واجتمعت فزارة في جنوبي طيبة، واجتمعت عبس وذبيان في الردة والتف حولهم جماعة من كنانة، ولما كثر عددهم لم تحملهم البلاد؛ لأن المياه شحيحة، والمرعى قليل، فتفرقوا إلى فرقتين، فأقامت فرقة بالأبرق بالقرب من الربذة والأخرى في ذي القصة، وأمد طليحة فرقة ذي القصة بقوة من بني أسد، والداعي إلى تفرقهم هو أن الوقت كان ضيقا؛ لأن الرسول توفي في شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة من الهجرة، وهذا التاريخ يوافق شهر حزيران سنة 632 ميلادية، والمياه على ما نعلم تشح في الصيف، وكذا المراعي تقل حينئذ، فبعثت غطفان وفدا إلى المدينة ليعرض على أبي بكر رغبتها في أن تقيم الصلاة وألا تؤتي الزكاة، وكان عيينة بن حصن الفزاري وأقرع بن حابس في الوفد.
فلم يلب أبو بكر طلبهم برغم إشارة بعض الصحابة عليه بالتساهل معهم إلى أن يعود جيش أسامة، إلا أنه في الوقت نفسه قدر خطورة الموقف لما عاد الوفد إلى أهله، وكان للوفد على ما يظهر مهمتان:
عفو الزكاة والاطلاع على قوة المسلمين في المدينة، وقد لاحظ أبو بكر ذلك؛ إذ لم يعد الوفد حتى جمع الصحابة وأطلعهم على حرج الموقف وكلفهم بحراسة المدينة ليلا ونهارا، فأقام رجالا في الأبراج لمراقبة الطرق الممتدة إلى المدينة من جهة البادية، ورتب قوة احتياطية في المسجد لتكون على استعداد للنجدة عند الحاجة، وحذر أهل المدينة بقوله: «إنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا، وأدناهم منكم على بريد.» يشير بذلك إلى قرب المسافة بين المدينة والقبائل المتحفزة للهجوم، وقد يعجب الإنسان بصلابة أبي بكر في رفضه طلب الوفد بعد اطلاعه على أخبار عماله لدى القبائل وسماعه حديث عمرو بن العاص، وكانت جميعها تنبئ بارتداد العرب عامة أو خاصة، ولا يوجد في المدينة سوى نفر قليل وجيش أسامة بعيد عنها، فنظرا إلى ما ذكره الواقدي في كتاب الردة أن أبا بكر لم يكتف بالتدابير التي اتخذها في المدينة؛ بل طلب من القبائل العربية كأسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب أن تمده بالرجال، فأسرعت إلى نجدته، فأخذ الناس يتوافدون إلى المدينة بسلاحهم، وأرسلت جهينة أربعمائة راكب، وإذا صدقنا رواية سيف بن عمر التي نقلها الطبري ظهر لنا أن ظن أبي بكر كان في محله؛ إذ لم تمض ثلاثة أيام على عودة الوفد حتى كان المرتدون قد غزوا المدينة ليلا، ولا بد أن الوفد بعد عودته أخبر القبائل المتحفزة للهجوم عن ضعف قوة المسلمين في المدينة، وشجعها على الهجوم، وكانت من غطفان وهي عبس وذبيان وفزارة على ما نعلم. (5) المواقع التي جرى القتال فيها
وردت أسماء السميراء والربذة وطيبة والأبرق وذي القصة عند البحث في تجمع القبائل، ولا يوجد الآن من هذه الأسماء في الخرائط الحالية إلا السميراء. ولنا من الأخبار التي نستقيها من رواة العرب الأقدمين أن القبائل الساكنة في شرقي المدينة وعلى طرفي الطرق الذاهبة إلى العراق وخليج فارس هي بنو سليم، وهي أقربها إلى المدينة في الشمال الشرقي.
ثم يليها بنو كلاب إلى شمال بني سليم، ثم عبس وذبيان في شرقي حرة خيبر إلى الشمال، أما قبائل طيء فتسكن في جبلها أجأ وسلمى، وفي شرقي بني عبس وذبيان وفزارة من غطفان في وسط وادي الرمة وعلى جانبيه، وتأتي بعدها قبائل بني أسد، وموقع سميراء على ما يظهر من الخريطة واقع إلى شمالي وادي الرمة، ويبدأ منه وادي السميراء الذي يصب في الوادي في جوار الحاجر. (6) الربذة
يذكر ياقوت الحموي أن موقع الربذة على الطريق التي تصل موقع فيد بالمدينة، وفيد في حي طيء وهي قرية من قرى جبل شمر واقعة إلى شرقي جبل سلمى على الطريق التي تصل الكوفة بالمدينة، ويمر بها طريق الحج، وهي بعيدة عن المدينة مسافة ست مراحل وتلقى فيها عدة طرق من الجوف والعراق والمدينة وبريدة والرس والربذة على هذه الطريقة، وهي تبعد عن المدينة أربعة وعشرين فرسخا، وواقعة إلى شمالي شرقها، ولعل موقع حناكية الحالي هو موقع الربذة القديم أو قريب منه؛ لأن بعده عن المدينة زهاء ثمانين ميلا، والفرسخ العربي طوله أربعة كيلومترات ونصف كيلومتر، أو أربعة كيلومترات، والذي يجعلنا نميل إلى ذلك أن القوة لم تجتمع في الربذة؛ بل في الأبارق، وكلمة أبارق اسم خاص لبعض المحلات تدل على أرض حجرية ورملية مختلطة، وموقع الحناكية بالقرب من حدود حرة خيبر، والحرة على ما نعلم أرض بركانية خامدة وفيها محلات لتراكم الماء فيها، وما دامت القبائل مجتمعة فيها فلا بد حينئذ من وجود الماء بها، والحناكية واقعة في بطن وادي الحمض. (7) ذو القصة أو البقعاء
والظاهر أن كلتيهما تدلان على موقع واحد واقع في شرقي المدينة وقريب منها، وهو بلا شك على الطرق التي تمتد إلى المدينة في غرب الربذة أو في جنوبها، وهو إما الشقرة أو سابية، والأخبار تدل على أن أبا بكر بعد أن هزم المرتدين في البقعاء طاردهم بخيله إلى ثنايا العوسجة بالقرب من الركبة، وهذا الموقع الأخير واد يصب في الرمة، ولعله وادي الركب الذي ينبع من حرة خيبر، ويجري شمالا في شرق وثنايا العوسجة في المحل الضيق الذي يتسلق فيه الطريق صاعدا إلى رأس الوادي أو ينزل منحدرا منه.
أما موقع طيبة الذي اجتمع فيه غطفان وفزارة فلم نعثر عليه في معجم البلدان، ولعله في شرقي الربذة أو في شماليه، أو إنه موقع طابة في سفح جبل سلمى الجنوبي في شمالي السميراء، وهو من ديار غوث بن طيء. (8) مباغتة المدينة
لم يهجم المرتدون بكل قوتهم؛ لأنهم أرادوا أن يكونوا خفافا فتركوا قسما منهم في ذي حسى بين ذي القصة والمدينة ليكون رداء لهم، واقتربوا ليلا من المدينة ولم يباغتوها؛ لأن العيون أخبرت المسلمين بدنوهم فقاتلتهم الربايا الخارجية، وأسرع أبو بكر بمن في المسجد فأنجد الربيئات وهزم الهاجمين، ولم يكتف بذلك بل هاجمهم على الجمال التي تستقي الماء من الآبار لإسقاء مزارع المدينة إلى أن نفرت الإبل من الجلود المنفوخة التي دهدهها الفارون من أعلى الروابي، فرجعت على أعقابها نافرة حتى دخلت المدينة.
অজানা পৃষ্ঠা
والظاهر أن الهاجمين لم يكونوا في قوة كبيرة، ولا سيما بعد أن تركوا قسما منهم في الخلف، ويظهر أنهم من بني عبس وذبيان، أما فزارة فبقيت في ذي القصة، وهكذا انقسمت القوة التي أرادت أن تهاجم المدينة إلى ثلاثة أقسام؛ قسم في ذي القصة، وقسم في ذي حسى، والقسم الثالث أغار على المدينة، أما قوة المسلمين فلا شك في أنها كانت ضعيفة ولعلها لم تزد على المائتين، وتشجع المرتدون من فرار جمال المسلمين وظنوا بهم الوهن، وبعثوا إلى من بذي القصة بالخبر فلحقوا بهم.
ويختلف الرواة في الحركة التي جرت، فالأخبار التي يستند إليها الواقدي والبلاذري لا تبحث في غارة المرتدين على المدينة، ولا تذكر موقع ذي حسى، وتذكر أن أبا بكر لما علم أن القبائل اجتمعت في ذي القصة بقصد الغارة قرر أن يقاتلها في عقر دارها غير مبال بقلة عدده. وقصده من ذلك إرهاب المرتدين وإلقاء الرعب في قلوب العرب، وجعلهم يعتقدون أن المسلمين أقوياء، وأن ذهاب جيش أسامة لم يقلل من قوتهم، فتقدم أبو بكر على رأس المقدمة الراكبة نحو ذي القصة يعقبه الكوكب (القسم الأكبر)، وبالنظر إلى رواية سيف أن الجمال بعد أن نفرت براكبيها ودخلت المدينة، بات أبو بكر ليلة يتهيأ للهجوم، فبعد أن رتب قوته خرج مبكرا من المدينة، وباغت عدوه فهزمه شر هزيمة. والذي يلوح لنا أن الروايات الأولى هي الأصح، وكانت قوة المقدمة تبلغ مائة رجل، وسارت يومها وعسكرت مساء بالقرب من أجمة «فباغتها العدو من مكمنه وألجأها إلى الفرار فاحتمى أبو بكر بالأجمة ...» منتظرا ورود الكوكب (القسم الأكبر)، ولما نادى أحد المسلمين بوروده انهزم المرتدون، فطاردهم المسلمون إلى ثنايا العوسجة، ثم قفلوا راجعين إلى ذي القصة.
ويذكر الواقدي أن أبا بكر لم يخرج إلى ذي القصة إلا بعد عودة جيش أسامة إلى المدينة، غير أننا لا نميل إلى رأيه؛ لأن مجرى الأخبار يدل على أن قوة المسلمين كانت ضعيفة لما خرجت من المدينة قاصدة العدو. ويزعم سيف أن بني ذبيان وعبس بعد هزيمتهم هذه وثبوا على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين في كل قبيلة، وليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين، وكانت وقعة ذي القصة والبقعاء أول نصر للمسلمين على المرتدين، ومنها تظهر فراسة أبي بكر وصلابة عوده.
لا بد أن القارئ انتبه إلى فساد خطة القبائل في محاولتهم غزو المدينة؛ إذ بدلا من أن يجتمعوا في محل واحد للهجوم على المدينة أو أن يقاوموا جيش المسلمين معا، اجتمعت كل قبيلة في حيها؛ فاجتمع بنو أسد في السميراء، وفزارة في طيبة، وجديلة وغوث من طيء في جبليهما، وذبيان وعبس اجتمعت فرقة منها بالقرب من الربذة، والأخرى من ذي القصة أو البقعاء.
والداعي إلى تفرقهم على ما يظهر أن المياه في كل محل من تلك المحلات لم تكن كافية لأداء إرواء جماعة كبيرة، وكان الكلأ قليلا، فضلا من صعوبة اجتماع كلمة القبائل على غاية واحدة، وكان قبل ذلك حلف بين بني أسد وغطفان وطيء، بيد أن قتالا وقع بين غطفان وبني أسد من جهة أخرى فأمست القبائل متخاصمة، وكذلك كلمة طيء لم تكن مجتمعة، فمال إلى المرتدين فرقتان منها فقط، وهما جديلة وغوث، أما الفرق الأخرى فبقيت على إسلامها، وكانت القبائل في قيامها على المدينة يراقب بعضها بعضا، ولا تريد أن تكون البادئة بالعداء؛ ذلك ما جعل كلا منها يبقى في حيه ويراقب عمل الآخر.
وقد اختبر الصديق حالة القبائل وتأكد أن كلمتها لم تجتمع؛ لذلك لم يشأ أن يؤخر جيش أسامة عن سفره، واكتفى برجال المدينة والموالين من القبائل القريبة منها، وقد أيدت الوقائع رأيه. وبعد انتصار أبي بكر على القبائل في البقعاء قفل راجعا إلى المدينة، ولما شاع خبر انتصار المسلمين على أهل الردة في أول قتالهم أخذت الصدقات تأتي من الأطراف بعد أن تردد أهلها في إرسالها، فوردت صدقات عدي بن حاتم من طيء وصدقات أخرى.
وبعد مدة قصيرة عاد جيش أسامة من الشمال فقرت به أعين المسلمين، فلم يمهل أبو بكر المرتدين بعد أن بلغه أن بني عبس وذبيان أوقعت بمن فيها من المسلمين ومثلت بهم، وبعد وقعة ذي القصة أراد أن يفني من في الأبرق، فأراح جيش أسامة بضعة أيام وخرج بالقوة التي سار بها إلى ذي القصة بعد أن أنجدها بالناس من جيش أسامة، وتوجه نحو الأبرق، وفيه الفرقة الثانية من بني عبس وذبيان وبني كلاب وغيرهم.
وقد ناشده كبار الصحابة بألا يعرض نفسه للخطر بقيادة الجيش بنفسه، إلا أنه لم يجب طلبهم. فبعد أن عبأ جيشه باغت المرتدين في الأبرق فهزمهم شر هزيمة، وانسحبت فلولهم إلى السميراء والتحقت ببني أسد، ولما رأى طليحة الخطر انسحب بجميع القوات التي التفت حوله إلى بزاخة.
وأقام أبو بكر في الأبرق، وكان يملكه بنو ذبيان، فأعطى مراعيهم لخيل المسلمين وحرم بطون ذبيان منها. (9) تولية خالد بن الوليد قيادة الجيش
تدل الأخبار على أن خالدا اشترك في قتال ذي القصة والأبرق مع المهاجرين، ولما رجع أبو بكر إلى المدينة انسحبت قوة المسلمين إلى ذي القصة، وتولى قيادتها خالد بن الوليد.
অজানা পৃষ্ঠা
وتذكر الروايات التي تبدأ بسيف بن عمر أن أبا بكر لما وصل إلى المدينة جمع رجالا من القبائل المجاورة للمدينة وأرسلها إلى ذي القصة لتقوية جيش المسلمين، ثم عاد إلى ذي القصة، فاستعرض الجيش وقسمه إلى إحدى عشرة فرقة، وعين قائدا لكل منها، فوجهها إلى مناطق المرتدين في جزيرة العرب لقتالهم والقضاء على حركة الردة.
وهذه الرواية التي يرويها سيف يصعب تصديقها، وذلك:
أولا:
لأن قوة المسلمين لم تكن في عدد يكفي لتقسيمها إلى إحدى عشرة فرقة.
ثانيا:
أن إيفاد فرق البحرين وعمان ومهرة وحضرموت واليمن قبل قمع الفتنة في قلب جزيرة العرب مسألة فيها نظر.
ويمر طريق البحرين وعمان ومهرة ببلاد بني حنيفة، وفيها مسيلمة ثائر وهو معتصم في بلاده الوعرة. والحقيقة أن قوة جيش المسلمين لم تجاوز بضعة آلاف على ما ذكرناه في بحث تقدير قوة الفريقين؛ فجيش أسامة لم يتجاوز ستة آلاف، أما القوة التي جهزها لمقاتلة من اجتمع في ذي القصة فلم تتجاوز الألفين. فتقسيم هذه القوات جميعا إلى أحد عشر قسما مما يجعل كلا منها ضعيفا، بحيث لا يستطيع القيام بالواجب المنوط به، بينما الأخبار تؤيد أن جيش خالد بن الوليد وحده كان يبلغ أربعة آلاف رجل، ثم إن هناك أخبارا تؤيد حبوط هجوم فرقة عكرمة بن أبي جهل، وكذلك هجوم فرقة شرحبيل بن حسنة على قوات مسيلمة وانسحابهما إلى الوراء والتحاقهما بفرقة خالد بن الوليد؛ مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد أن أبا بكر فكر قبل كل شيء في القضاء على حركة الردة في وسط جزيرة العرب، وجمع لذلك ما في يده من القوات المتيسرة وناط قيادتها بخالد. (10) قوة الجيش
إن الرواة على عهدنا بهم لم يرووا لنا مقدار قوة المسلمين التي احتشدت بقيادة خالد بن الوليد في ذي القصة، والمصدر الوحيد الذي يذكر لنا قوة خالد هو أبو حبيش؛ إذ يروي لنا أنها كانت تبلغ أربعة آلاف مقاتل قبل حركته إلى بزاخة.
وكان الجيش على ما سبق بيانه مؤلفا من القوة التي جمعها أبو بكر من القبائل المجاورة للمدينة على جناح السرعة للهجوم على المرتدين في ذي القصة بعد تهديدهم للمدينة. ومن القسم الذي التحق به من جيش أسامة بعد عودته إلى المدينة قبل الهجوم على الأبرق. ومن الواضح أن البعض منه تخلف عن الالتحاق ليقضي مدة من الزمن بين أهله بعد أن غاب عنهم مدة شهرين في سفره إلى الشمال.
والذي يظهر من رواية سيف أن أبا بكر لما عاد إلى المدينة أرسل هذا القسم المتخلف أيضا إلى ذي القصة، وبعد التحاقه أصبح جيش خالد أربعة آلاف أو أكثر، وكانت قوة الأنصار وحدها تبلغ زهاء خمسمائة مقاتل. أجل إن العدد ضعيف بالنظر إلى المهمة الخطيرة المنوطة به، إلا أن تجانس القوة في هذا الجيش وصلابة المعتقد فيه وتفرق كلمة القبائل المرتدة جعلته أهلا للعمل. (11) منطقة الحركات
অজানা পৃষ্ঠা
يحد المنطقة التي جرت فيها الحركات من الشرق الدهناء، وهي الساحة الرملية الممتدة من الشمال الغربي إلى الشرق الجنوبي في شرقي القصيم، وكانت الدهناء ولا تزال المفازة التي تفصل أرض السواد (أعني العراق) عن بلاد نجد، ويحدها من الشمال جبل شمر، أعني بلاد طيء المرتفعة التي تمتد جبالها على ما سبق من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وأخطرها جبلا سلمى في الجنوب، وأجأ في الشمال، وفيها وديان كثيرة أجلها شأنا وادي حائل، وهو يبدأ من بزاخة طيء بشعاب متعددة، ويفصل الجبلين أحدهما عن الآخر؛ حيث تنصب فيه عدة شعاب من الشمال والجنوب، وتغمره بالمياه في موسم الأمطار، وقد شيدت على جانبيه القرى التي ترتوي بمياه الآبار المنصرفة إليها من الجبال، ولما كان جبل سلمى وجبل رمان يشرفان على وادي الرمة من الجهة الشمالية، فالشعاب التي تمر بالأطناف الجنوبية تنحدر جميعا إلى ذلك الوادي، وهذه الأطناف هي الحدود الفاصلة بين حي بني أسد وحي فزارة من بني غطفان وقريتي فيد وطابة لبني طيء وهما على الحدود.
ويحد منطقة الحركات من الغرب حرة خيبر، ومن الجنوب الهضبة المشرفة على وادي الرمة من الجنوب، وفيها بنو سليم في الشمال وبنو عامر في الجنوب وموقعا العمق في الغرب ورابية أبان الأبيض في الشرق في أرض بني سليم.
والوادي أرض منخفضة بين هضبتين مرتفعتين، تنصرف إليه جميع المياه التي تنزل عليها في موسم الأمطار، وإذا حفرنا الآبار في بطنه على عمق بضع أقدام نعثر فيها على ماء كثير. والطريق التي تصل المدينة ببلاد القصيم تمر بهذا الوادي، وبعد أن يترك المدينة يمر بالبقعاء أو ذي القصة بالقرب من سابية، ثم بالشقرة فالربذة بالقرب من الحناكية فالمشقق فبئر الطرفة، فإلى جنوب أكمة الخيمة؛ حيث يدخل أرض بني أسد، ويمر بعد ذلك بين الأبانين: أبان الأسود في الشمال، وأبان الأبيض في الجنوب، والأسود في أرض بني أسد إلى أن يمر بشمال الرس، وهو بئر ماء لبني أسد فيصل إلى القريتين في بلاد قصيم، أعني العنيزة في الجنوب وبريدة في الشمال، وكلتاهما في حي بني تميم.
ويسكن بنو أسد في الساحة الواسعة التي في شمال الوادي من جنوبي فيد وأطابة غربي السميراء والظهران السليلة.
وفي غربي النقرتين نقرة السلاسل ونقرة الخطوط وجبل سارة، وفي أرض بني أسد يقع موقع الغمر وهو رابية مرتفعة تشرف على وادي الغمر الذي ينبع من سفح جبل الموشم الشمالي ويصب في الكهفة، وبالقرب منه تقع بزاخة بني أسد، وهي الموقع الذي نشبت فيه المعركة بين جيش خالد وجيش طليحة.
والذي جعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن موقع بزاخة في هذا المحل، هو ما ذكره ياقوت الحموي في معجمه نقلا عن ابن الكلبي، أما الأصمعي فيروي أن بزاخة ماء لطيء، وفي جبل طيء موقع آخر يسمى بزاخة. وعلى ما يظهر لنا من مجرى الحركات أن القتال بين المسلمين وبين المرتدين لم يقع في أرض طيء؛ بل وقع في أرض بني أسد بالقرب من الغمر، ولا سيما أن خالدا بعد انتصاره على طليحة وجه سراياه في جهات مختلفة مطاردا فلول المنهزمين، وهذه السرايا قاتلت المنهزمين في جبل رمان في الأبانين. ولا يعقل أن المعركة نشبت في بزاخة طيء والمطاردون يطاردون المنهزمين إلى رمان والأبانين؛ بل من المعقول أن تنشب المعركة في جوار الغمر فيشرد المنهزمون إلى أنحاء مختلفة فينهزم بنو فزارة إلى حيهم في جنوبي الرمان وغربيه، وبنو أسد إلى الأبانين وإلى ظفر في جوار كهفة وإلى النقرة؛ أعني إلى حدود الحي.
وفي منتهى الشرق بلاد بني تميم والقصيم على الحدود بين أسد وبني تميم، وهي من أغنى البقاع الواقعة في نجد وتحدها رمال الدهناء من الشرق، وفي غربيها مراعي الحزن، وفي شرقيها مراعي الصمان، وكلتا البقعتين من أخصب المراعي وهما لبني تميم. وبنو يربوع في الحزن إلى وادي حائل، والصمان إلى بني حنظلة، وماء الطريفة في شمالي البريدة لهم أيضا. والبطاح في جنوبي الحزن وفيه قرية بريدة وموقع البعوضة والقعرة، وهو مشهور بجودة الكلأ، وفيه دارت الدائرة على مالك بن نويرة رئيس بني يربوع.
ولا تزال إحدى ضواحي البريدة تسمى بالبطاح، والعصبة تتألف من أربع ضواح؛ وهي جردة وجديدة وشمال وبطاح، وموقع النباح في حي بني تميم، وهو المحل الذي وصلت إليه سجاح برجالها فقاتلها بنو تميم وكسروها، وهو واقع في الحزن على طريق الكوفة بعد الفيد. (12) نسبة القبائل
من المفيد أن نذكر نسبة القبائل وقرابة بعضها لبعض، وأكثر القبائل التي ارتدت عدنانية تنتسب إلى مضر، ما عدا قبيلة بني حنيفة فهي من ربيعة.
والقبائل العدنانية تنتسب إلى شعبين كبيرين، وهما مضر وربيعة.
অজানা পৃষ্ঠা
وشعب مضر ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
فالقسم الأول:
قيس، ومنها: غطفان وهوازن وسليم، وإلى غطفان تنسب فزارة وعبس وذبيان، وإلى هوازن تنسب ثقيف.
والقسم الثاني:
قبيلة طابخة، وإليها ينتسب بنو تميم.
والقسم الثالث:
مدركة، وإليها ينتسب بنو أسد، ومنها كنانة، وإليها تنتسب قريش.
أما شعب ربيعة فاشتهرت منه القبائل الآتية:
عنترة وعبد قيس وبكر وتغلب وبنو حنيفة، وينتسبون إلى بكر بن وائل. (13) الموقف قبل الحركات
التقت فلول غطفان بن فزارة وعبس وذبيان بطليحة بعد انهزامها في ذي القصة والربذة، واجتمعت مع بني أسد في بزاخة، وقد مال إليهم فرقتان من طيء، وهما جديلة وغوث على ما ذكرناه سابقا، ولم تترك هاتان الفرقتان حيهما؛ بل اجتمعتا في أكناف جبل سلمى؛ أعني بالقرب من موقع طابة في الجنوب الغربي من فيد.
অজানা পৃষ্ঠা
أما الباقي من بني طيء فظل على الحياد بسعي عدي بن حاتم، وأما قبائل بني عامر بن صعصعة، وهي في الشمال الشرقي من جبل شمر، فكانت تراقب مجرى القتال، وتنتظر عاقبة المعركة لترى رأيها بعد ذلك.
أما بنو تميم فلم يوحدوا كلمتهم؛ بل كانوا منقسمين على بعضهم. وبينما كانت القبائل المرتدة على هذا النحو من تفرق الشمل واختلاف المقصد كان خالد بن الوليد على رأس جيش متجانس صقلته الغزوات والحروب، وحنكته التجارب متأهبا للحركة عند أول أمر يصدره قائده.
وكان هذا الجيش قليل العدد، غير أن كفاية قائده ضمنت له الفوز، وكلما أحرز فوزا ازدادت قوته بانضمام المحايدين إليه؛ لأن الغلبة كانت تأتي لهم، وقد تم ذلك فعلا، ويزعم بعض المؤرخين أن قوة جيش خالد كانت تبلغ ثلاثة آلاف مقاتل حين تقدم نحو طليحة، فلما تقدم نحو مسيلمة أصبحت عشرين ألفا. (14) الحركات
يقول ابن حبيش نقلا عن الواقدي: إن جيش خالد بدأ بالحركات من ذي القصة في اليوم السابع والعشرين من الشهر، وهذا الشهر إما جمادى الآخرة وإما رجب؛ لأن الرسول توفي في شهر ربيع الأول، وإن جيش أسامة قضى في حملته شهرين، وأجل حركته في الجرف مدة من الزمن. والمعلوم أن معظم قوة أسامة ألفت جيش خالد، فتكون المدة التي انقضت من وفاة الرسول إلى حين حركة خالد من ذي القصة ثلاثة أشهر على أقل تقدير.
فزمن الحركة إما أن يقع في منتصف شهر سبتمبر وإما في منتصف شهر أكتوبر من سنة 632 ميلادية.
واستعرض أبو بكر جيش المسلمين في ذي القصة وخطب في رجاله وأبان لهم الطريقة المثلى التي يجب أن يسيروا عليها، ولفت نظر خالد إلى خطورة الاستطلاع وأخذ الحيطة عند الهجوم على أهل اليمامة، وأن يجري الحركات على التعاقب؛ فلا يبدأ بحركة ما لم يظفر بالتي سبقتها، وأن يستعمل الرمح في مكافحة الرمح، والسيف في مكافحة السيف، ثم طلب منه مراعاة المهاجرين والأنصار والرفق بمن معه.
وكانت قوة الجيش تتفاوت بين أربعة آلاف وخمسة آلاف، وكان عدد الأنصار منه يربي على الخمسمائة، وكانت قوة جيش طليحة في بزاخة تزيد على خمسة آلاف، ومعظمها من بني أسد، والباقي من غطفان، وكان عيينة بن حصن على رأس هذا الباقي.
وكانت فرقتا جديلة وغوث من طيء في أكناف جبل سلمى متأهبتين للالتحاق بطليحة في بزاخة وتبلغ قوتهما زهاء ألف مقاتل. وكان بنو تميم على ما نعلم مشغولا بعضهم ببعض؛ فمنهم من التحق بسجاح، ومنهم من خالفها.
أما بنو حنيفة فكانوا في ديارهم باليمامة معتصمين بجبالهم ومعتزين بنبيهم مسيلمة يراقبون الحوادث في نجد. (15) خطة خالد بن الوليد
إن الطريق الأقصر الذي ينتهي بجيش المسلمين إلى بزاخة هو الطريق الذي يخترق وادي الرمة، وبزاخة واقعة في المنطقة حيث تكون أحياء طيء وأسد قد قرب بعضها من بعض، فكل حركة من ذي القصة على هذا الطريق الأقصر تشجع قبائل طيء على الالتحاق بطليحة في بزاخة، ومن عادة القبائل أنه إذا لم يهدد الخطر حيها توا تتركه وتسرع إلى نجدة الأحياء الأخرى متى أغار عليها الأعداء. كذلك درس خالد الموقف، وقرر أن يسلك طريقا يهدد به بلاد طيء، فإما أن يلجأ أهلها إلى الحياد، وإما أن يستميلهم إلى جانبه، وإذا ما تقدم رأسا نحو بزاخة يكون قد ترك بلاد طيء إلى جانبه الأيمن، وخاطر بالهجوم على بزاخة، أما إذا ضمن حياد طيء أو استمالتهم إلى جانبه فيكون قد هيأ أسباب الفوز على طليحة.
অজানা পৃষ্ঠা