199

قلنا: وكذلك لو كان تعالى جسما لما كان قادرا بذاته بل لا يكون حينئذ قادرا إلا بقدرة يفعلها له غيره، لأن من حق كل مثلين أن يشتركا في وجوب ما يجب وجواز ما يجوز واستحالة ما يستحيل مما يكون وجوبه وجوازه واستحالته راجعا إلى ذاته، ألا ترى أن الجسمين لما اشتركا في نفس الجسمية اشتركا في كل ما يجب للجسم من شغل الحيز والاحتياج إلى المحدث وملازمة الأكوان الحركة والسكون ونحوهما، وجواز ما يجوز من التجزى والانقسام وحلول الحياة والقدرة والعلم ونحوها، واستحالة ما يستحيل كالكون في جهتين في وقت واحد وإيجاد نفسه أو مثله لما كانت راجعة هذه الأمور إلى ذات الجسم، ولهذا لا يشاركها العرض فيما يجب ويجوز، وإن شاركها فيما يستحيل فهو غير قادح فيما نحن بصدده لأنها قد جمعتهما صفة الحدوث الذي تفرع ذلك عليها، فلو كان الباري تعالى جسما لوجب له كما يجب للجسم من الحيز والافتقار إلى المحدث وحلول الأعراض اللازمة كالأكوان، وجاز عليه ما يجوز على الجسم كالتجزىء والانقسام وحلول القدرة والحياة ونحوهما من سائر الأعراض والمعاني الغير اللازمة للجسم بل جائزة فقط، واستحالة ما يستحيل كإيجاد نفسه أو جسما مثله، فعرفت أنه لو كان جسما لما كان قادرا وعالما وحيا بذاته، لأن هذه الأوصاف مما يجوز على الجسم لا مما يجب له وإلا لكان كل جسم كذلك وهو معلوم البطلان، وقد أشار عليه السلام إلى معنى هذا كله بقوله [ ولأن الجسم مؤلف ] من الأجزاء الصغار المعبر عنها بالجوهر الفرد، وهو الجوهر الذي لا يتجزأ، فمتى ضم إليه جوهر مثله صار خطا، ومتى ضم إليهما جوهران مثلهما في جهة العرض صارت الأربعة سطحية ممكنة التجزيء في جهتي الطول والعرض دون جهة العمق، ومتى ضم إلى تلك الأربعة أربعة فوقها أو تحتها صار مجموع الكل جسما ممكن التجزىء في الثلاث الجهات الطول والعرض والعمق، وهذا معلوم عقلا ضرورة لكل جسم.

পৃষ্ঠা ২২৩