وأما إنشاد الأشعار التي تكلم بها العارفون كأشعار الشيخ شرف الدين ابن الفارض والشيخ الأكبر ابن العربي وعفيف الدين التلمساني والشيخ عبد الهادي السودى ونحوهم من السادة الصوفية رضي الله عنهم فهي جملة المهيجة القلبية إلى الحضرة الإلهية. فكل من كان يفهم الحقائق يجوز له سماعها وإنشادها. وكل من ألهته وأوقعته في الطرب النفساني ولم ينتفع منها بوارد يرد على قلبه فلا يجوز له سماعها، لأن سماعه حينئذ مجرد لهو وبطالة، كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ويجب علينا أن لا نسيئ الظنون في أحد من العالمين إلا لمجاهر بكفره ومتهتك بفسقه إذا أخبر من نفسه أو اطلعنا عليه من فلتات كلامه وتحققنا عدم فهمه وعدم تحققه بربه، والجميع عندنا محمولون على الكمال. ولكن هذا مقدار الواجب علينا في البيان ويجب على كل مسلم أن لا يخون نفسه ويغالطها. فإن وجد لها قوة على المعرفة والانتفاع بحضور حلق الذكر المشتمل على السماع والوجد والإتشاد فليحضر، وإلا فاشتغاله بطلب العلوم النافعة أولى كما قال القائل شعرا:
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجا وزه إلى ما تستطيع وليحذر كل الحذر أن يكون منافقا في الطريق فإن الناقد بصير (والله بما تعلمون خبير).
وأما هذا الزي المخصوص الذي اتخذه كل فريق من الصوفية كلبس المرقعات وميازر الصوف والميلويات فهو أمر قصدوا به التبرك بمشايخهم الماضين، فلا ينهون عنه ولا يؤمرون به فإن غالب ملابس هذا الزمان من هذا القبيل كالعمائم التي اتخذها الفقهاء والمحدثون. والعمائم التي اتخذها العساكر والجنود والملابس التي تتخذها عوام الناس وخواصهم فإنها جميعها مباحة، وليس فيها شئ يوافق السنة إلا القليل. ولا نقول إنها بدع أيضا لأن البدعة هي الفعلة المخترعة في
পৃষ্ঠা ২২