الشيخ الاسيوطى رحمه الله تعالى أنه أخذ من قوله عليه الصلاة والسلام: أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون. ونحو هذا الحديث: إن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل لا كراهة فيه. ذكره في فتاواه الحديثية، قال: وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بنيهما. إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي رضي الله عنه به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الأسرار بها انتهى كلامه.
وأما خصوص هذا الصعق والزعق والصياح والاضطراب والتواجد عند سماع أقوال المغنين واحتباك أصوات الذاكرين جهرا فلا نطلق القول فيه. وإنما نفصل.
فإن كان بحق بأن قام للتواجد قومة المضطر الذي استغرته المعاني الإلهية الواردة على قلبه وخاطره في ذلك الوقت، فإنا لا ننكر ذلك ولكن نسلمه لفاعله على أنه ليس كما لا له. والكمال في السكون كما قال الشيخ أرسلان رضي الله عنه في رسالته في علم التوحيد: إذا عرفته سكنت وإذا جهلته تحركت. وأما إذا كان قيامه وتواجده مجرد شهوة نفسية بعثته فحركته عمدا وهيمته وأطربته وحملته على فعل ذلك الصياح والاضطراب، فهو شيطان مريد يجب منعه وطرده وإخراجه من بين الجماعة حتى لا يفسد بقية الذاكرين ويشتت قلوبهم ويزيل خشوعهم وأدبهم.
فإن قال قائل: من أين يعرف المريد المحق من المبطل؟ نقول له: من شرب الخمرة لا بد أن يتقاياها أو تنفح رائحتها من فمه وبيان ذلك إنا نسأله ما الذي حملك حتى صحت وزعقت واضطربت؟ فإن بين معنى اللهيا يحمل ذلك وشرح لنا شيئا من المعاني الواردة على قلبه عند السماع بحيث نستدل بالثمرة على الأغصان وبالزهرة على البستان سلمنا له ذلك واعتقدنا فيه الصلاح.
وأما إذا سألناه فوجدناه من جملة الثيران لا يزيد على قوله همت في محبة ربي وأهاجني ذكرى حقائق الوجود وهو متعر من كل فضيلة فهو شيطان عنيد يجب طرده وإخراجه وتأديبه.
পৃষ্ঠা ২১