إشارة المنثور
فتأوه منظوم المنثور، بنفثه المصدور، ورشفه الموتور، وقال: ما هذا الغرور بالعمر المبتور، وما هذا السرور بالعيش المكدور، أما يعتبر العاقل بغصنى المآئل، ولونى الحائل، وعمرى الزائل، وأيامى القلائل. غيرتنى حوادث الأيام، فقسمت لونى ثلاثة أقسام، فمنى الأصفر، كسى من السقم ثوبا معصفرا، ومنى الأبيض اليقق، والأزرق الذى كاد بكمده يحترق.
فأما الأبيض، فلا يفوح عطره، ولا ينشق نشره، ولا يكشف ستره، وذلك لأنه كتم سره فما باح، وأخفى عطره فما فاح، وملك أمره فلا تلعب به الأهواء والرياح.
وأما الأصفر، فخلع العذار واستراح، وتوشح من السقم بوشاح، وفاج بعطره في الغدو والرواح. ونشر أنفاسه في المساء والصباح، يقول بلسان حاله، وصدق مقاله:
إنْ غَلَبَ وَجْدِى وبُحْتُ بما عِنْدِى ... فَلَيْسَ عَلَى العَاشِقِ إِنْ بَاحَ جُناح
1 / 63