ولم تكن هناك حاجة للسؤال، كانوا قد وصلوا وكانت فوزية قد عادت إلى وعيها، ولدهشة حمزة لم يعرف أنها أفاقت إلا حين أحس بشفتيها تلثمان جانب رقبته، وقد ينسى حمزة أشياء كثيرة، ولكنه لن ينسى أبدا ملمس شفتيها الباردتين الذي أحسته رقبته في تلك الليلة من ليالي الشتاء، وخطر له خاطر، لم يكن عبثا ما قاله لها الليلة أن حبهما في نمو دائم، وأشياء قليلة جدا تلك التي يكون الإنسان مستعدا أن يفقد حياته من أجلها مثل: مبدئه، وشرفه، وبلده، وفي تلك اللحظة أحس حمزة بعمق وبيقين أن فوزية أخذت مكانها جنبا إلى جنب مع مبدئه وشرفه وبلده.
وكان لا يزال يحملها ويلهث ويجاهد ليبقى حاملها ولا يفكر في إنزالها، وفوزية وقد أفاقت تماما لم تفكر هي الأخرى في التنازل عن مرقدها، ولم تهبط إلا حين شعرت بحمزة قد أصبح لا يكاد يستطيع الوقوف قائلا وهو يلهث: أنا دلوقتي بقيت زي طرزان تمام.
وفي ذلك الوقت كانوا واقفين أمام بناء كالفيلا المكونة من دور واحد، وكان حودة عاكفا على الباب والقفل وأمه تمسك له بالمصباح، وأبو دومة واقف في مكان تستطيع عينه المتحركة أن ترى فيه تقدم ابنه وترى فيه حمزة وفوزية دون أن يتعب نفسه ويستدير، وأيقن حمزة بعد ما هدأت أنفاسه ورأى حودة وما يصنعه، أيقن أن أبو دومة فعلا كان يعني ما يقول، وتعجب كثيرا وكان ذلك مستحيلا.
ومال على أذن فوزية يهمس لها بهذا وبغيره، وأفاق من همساته على خبطة أطارت عصافير السكون، وأرجفت فوزية وأرعشتها، وفتحت الباب، ورفعت صوت حودة قائلا: اتفضلوا .
وابتسم أبو دومة ابتسامة أوسع من فمه وقال وعينه وأسنانه تتلألأ في ضوء القمر: صدقتني بقى يا سي حمزة؟ الأسطى حودة دا ولد.
وكانت الرحلة كلها كوم والدخول إلى ذلك المكان كوم آخر، رفضت فوزية أن تطأه واستماتت على حمزة لا تريده أن يتحرك وقالت: يلعن أبو أي حاجة في الدنيا، تعال بات عندنا وخلاص، إن شا الله حتى يتقبض عليك، مش معقول تبات هنا، دانا اجننت، أنا مالي، هه، هه.
وكانت عائلة أبو دومة قد دخلت وفوزية لم تكف عن اضطرابها، وولد قربها في نفس حمزة مشروع قبلة، وقبلها مرات ومرات وبادلته فوزية قبلاته، وكان حمزة كلما دار ببصره في مستعمرة الموت تلك احتضنها أكثر وأطال من قبلاته حتى خيل إليه أن فمها قد تضخم وتلمظ وأصبح كثدي نافر.
وسمع صفيرا مزعجا، وانتفضت فوزية في حضنه، والتفت فوجد الأسطى حودة هو الذي يصفر وأمه تخبطه على كتفه وأبوه ينهره، والأم والأب قد أعطياهما ظهرهما. - لا مؤاخذة يا عم اسماعين.
واستدار الرجل إليه، وكاد حمزة يسقط على ظهره من الضحك، وهو يرى في ضوء القمر واللمبة أم ساروخ وجه أبو دومة الخشن الجاف ذا اللحية والشارب والفم الواسع يراه وفيه ابتسامة ضيقة خجلة، وملامح تجرب - ربما للمرة الأولى - خجلا يكاد يقترب من خجل الأنثى.
ودخلت فوزية معه وقد نسيت في خضم ما حدث إصرارها.
অজানা পৃষ্ঠা