كان الباب الخارجي يؤدي إلى فناء صغير تحتله حديقة مهملة فيها شجرتا كافور طويلتان ترعب وشوشة أوراقهما، وهناك باب داخلي آخر كان حودة بلا ريب قد عالجه وفتحه، ويؤدي الباب إلى صالة يتدلى من سقفها شمعدان فيه ما يزيد على العشر شمعات قد احترق منها جزء صغير وكانوا قد أوقدوها جميعا، والصالة مؤثثة بكنب «أرابيسك» يدور مع الجدران، وكذلك عدد من الكراسي من نفس النوع، والحجرة التي على اليسار فيها أثاث مماثل، وكذلك مائدة طعام كبيرة وحولها كراسيها، والتي على اليمين فيها سريران ومراتبهما وملاياتهما ولوازمهما مكومة في ركن ومغطاة بغطاء، وفي كل من الحجرتين شمعدان كبير أضيء، ويقابل باب الصالة الخارجي باب داخلي، قال أبو دومة وهو يفتحه: أهو ده قبر المرحوم داود باشا نفسه، الله يرحمه، الفاتحاله.
وبدا من خلال الباب المفتوح قبر مغطى بقماش من حرير أخضر لماع، وحوله شبكة من النحاس الأصفر، وكانت الأضواء تتسرب إليه فيبرق النحاس، ويبدو القبر كله وكأنه أحد صناديق القراصنة الضخمة التي كانوا يملئونها بما اختطفوه من كنوز.
وكان الجو كله مشبعا بتلك الرائحة التي تتوالد في المكان إذا طال عليه الإهمال والإغلاق.
وقال أبو دومة وهو يجول بعينيه ويبتسم ويتفكر: هيه يا سي حمزة، كويس ده؟ واللا أوديك مدفن ألفت هانم أحسن؟ اللي يعجبك، زي ما انت عايز، أي خدمة، والنبي انك طردت عنا وحشة.
وأجاب حمزة: دا كويس قوي يا عم اسماعين، أنا الحقيقة مش عارف أشكرك ازاي، بس المهم دلوقتي عايزين نرجع فوزية عشان تروح. - ليه؟ ما تخليها تبات معاك، أقلها تونسك. - لأ، معلشي يا عم اسماعين، أصل الولاد لوحدهم، فاهمني ازاي؟ - فاهمك ازاي، أخ، لا مؤاخذة ما تآخذنيش نسيت، أيوه الولاد صحيح، دا زمان بسلامته أبو دومة بيسرخ، يا رتنا كنا جبناه ويانا.
واقترح حمزة ثانية أن يوصلوا فوزية، ولكن أبو دومة استمهله، وخلع جلبابه وقد أصبح بالفانلة والصديري واللباس ذي الأرجل الطويلة والدكة ذات الثلاث شعب: بس لا مؤاخذة، خمسة بس نوضبلك النومة، إيدك يا أم محمود، شيل معايا يا حودة، أصل التراب مالي الحتة.
وحقيقة كانت أكوام من الغبار تغطي كل شيء، خاصة ذلك الكوم الذي فيه معدات الفراش.
وحاول حمزة أن يمد يده ولكن غضبة أبو دومة جعلته يتوقف عن محاولته.
وخرج حمزة وفوزية بناء على إصرار أبو دومة وزوجته حتى لا يصيبهما العفار، ووقفا متلاصقين وحولهما أعشاب متوحشة، وبجوارهما جذع الكافور الغليظ ووشوشة أوراقه، والقمر يطل عليهما باستغراب ويتابع ما يدور في الجبانة كطفل محب للاستطلاع، ويبتسم ابتسامته الساذجة الخالدة، وقالت فوزية: أما راجل عجيب أبو دومة! - تعرفي أنا لغاية دلوقتي مش مصدق. - وحتديله كام؟ - على الأقل جنيه، شوية والله. - يا أخي ما تيجي معايا وبلاش العند ده. - دا مش عند يا عزيزتي، دا عقل، فاهماني ازاي؟ - وحتبات هنا لوحدك؟ - حاخاف من ايه؟
قالها حمزة وهو خائف فعلا لمجرد التفكير في مصيره حين يذهب عنه الجميع، ويبقى وحده. - وبتقللي مانتاش بطل، حد يقدر يعمل كده؟ - إنتي عارفة المثل اللي بيقول بطل رغم أنفه، أهو أنا بالظبط.
অজানা পৃষ্ঠা