وقد تبع ذلك أن التجارة الدولية في عصرنا الراهن تحتكر القدر الأعظم من حركة النقل العالمية، وبناء على هذا زادت حمولة وسائل النقل زيادة هائلة، سواء كان ذلك في القطارات أو الشاحنات أو السفن أو الطائرات، وما زالت سعة وسائل النقل في زيادة إلى مدى لا نستطيع التنبؤ به.
وخلاصة القول أن التجارة والنقل هما في كل الأوقات عبارة عن وحدة وظيفية واحدة ذات شقين.
ويمكننا أن نشير في هذا المجال أيضا إلى أن التوسع التجاري العالمي كان واحدا من أهم الأسباب في الكشوف الجغرافية الكبرى، وفي بناء الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى، وفي الاستيطان الحديث لقارات العالم الجديد. وبهذا يشترك البحث عن الغذاء واتساع النشاط التجاري معا في تعمير العالم بواسطة الهجرات الاستيطانية القديمة والحديثة. (1-3) الأغراض السياسية والعسكرية
بالرغم من أن الأسس الجوهرية في النقل ووسائله وطرقه تقاس على المعيار الاقتصادي ومدى عائد هذه الطرق ووسائل النقل، إلا أننا نلاحظ أن بعض أشكال النقل تبدو غير اقتصادية بالمعنى المفهوم؛ فهناك طرق تمد إلى أقاليم هامشية داخل الدولة الواحدة، والسبب راجع إلى خطة سياسية أو استراتيجية؛ فمثل هذا الطريق يقام إما من أجل تشديد قبضة الدولة على الإقليم النائي وتثبيت سلطانها فيه، وإما أن يقام من أجل سرعة الوصول إلى مناطق ذات منعة استراتيجية لحماية الدولة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، على رأسها الخطوط الحديدية الأمريكية إلى داخل «الغرب البري أو الوحشي»، وطريق حديد سيبيريا والتركستان، وطريق حديد بشاور (الذي أقيم في الهند خلال الحكم الإنجليزي لتأمين الحدود الشمالية الغربية وإخضاع قبائل الباتان والسيطرة على ممر خيبر الاستراتيجي)، ومشروع فرنسا من أجل بناء خط حديدي من السنغال إلى النيجر، ومشروعها الذي لم يتحقق من أجل بناء خط حديدي من الجزائر إلى النيجر، والخط الحديدي السوداني الذي امتد إلى جنوب السودان مؤخرا.
ومثل هذه الطرق برغم نشأتها العسكرية غير الاقتصادية سرعان ما تصبح محورا لنشاط اقتصادي حديث يؤدي إلى تغير في شكل الإنتاج في الإقليم الذي يمر به. وخير دليل على ذلك أن خط حديد سيبيريا قد أصبح الآن - وبعد مرور حوالي 70 سنة على إنشائه - يجري داخل أكبر منطقة اقتصادية في العمق الأرضي السوفييتي.
وبالمثل فإن الأغراض العسكرية قد ساعدت دائما على نمو أشكال جديدة في وسائل النقل في حجمها أو كفاءتها أو سرعتها، فإن مبدأ استخدام العجلة (الدولاب) كوسيلة لتسهيل جر العربات بواسطة الحيوان، قد قفز سريعا حينما استخدمت العجلة في مركبات القتال الحيثية والفرعونية والآشورية، وفي حضارات الشرق الأوسط القديم عامة. وكذلك حظيت السفن والطائرات بدفعة تطور قوية خلال سباق التسلح قبل وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، وبصورة أكبر في فترة سباق التسلح التي يعيشها عالمنا المعاصر. وبرغم ما تؤدي إليه هذه المستحدثات من أضرار بالغة في الحروب، إلا أن الاستخدام السلمي لمنجزاتها يصبح فيما بعد نعمة كبرى على تقدم وسائل النقل. (1-4) الأغراض الترفيهية والدينية وغيرهما
باشتداد كثافة السكن والنشاط الاقتصادي الحديث في المدن تنشأ الحاجة الملحة إلى الترفيه في صور عدة؛ منها الاصطياف ورحلات عطلة نهاية الأسبوع والأعياد. وقد أدى هذا إلى امتداد طرق المواصلات إلى مناطق نائية في الجبال أو على سواحل البحار والبحيرات لم تكن تمتد إليها دون نشأة هذه المناطق الترويحية.
وباقتراب العالم من بعضه بواسطة التشابك الحضاري العالمي الراهن نشأت السياحة الدولية كوسيلة عملية لزيادة خبرة الأفراد بأجزاء العالم المختلفة. وقد أدت السياحة الدولية الراهنة إلى نمو سريع في وسائل نقل الركاب بحرا وجوا وبرا، وساعدت على إنشاء شبكة عظيمة من الطرق السريعة في كثير من الدول لجذب السياح إلى داخلية البلاد، وإلى إبراز معالم الزيارة في الأماكن الأثرية ومناطق اللهو والترويح.
وخلاصة القول أن السياحة الدولية قد أصبحت جزءا من نمط حياة الأفراد في كثير من الدول المتقدمة.
অজানা পৃষ্ঠা