من تفسير كلام أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب رحمهما الله قال المتأمل: أما قوله فدلالة حدث الجزء واحتماله أن يزاد إليه مثله إلى أن يتجسم، يقول، إن الدليل على هذا الجزء الذي لا يتجزأ محدث مخلوق، وهو أنه محتمل لأن يزاد إليه مثله؛ فإن في احتماله لذلك دلالة على عجزه عن منع نفسه من أن يضاف إليه ما يغيره عن حاله، لأن في إضافة مثله إليه حدوث عرض [29] حادث يحله وهو الاجتماع، وكل ما كان محلا للحوادث كان متغيرا بها وما كان متغيرا فعاجز، والعاجز محتاج إلى محدث يحدثه، ولا محدث إلا الله الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى عما يصفون.
ولا بد من رسم جملة يتضح بها البرهان القطعي على حدث العالم ومبتدعه ومقدرة لا من شيء ومخترعه، ونقتصر في ذلك على دليلين: أحدهما يدل على أن العالم محدث، والآخر يدل على أن المحدث هو الله.
مسألة: فأما الدليل على أن العالم محدث هو نشاهده من التغيير والانتقال وتقلب الأشياء من حال إلى حال، فإن من نظر إلى الأرضين والسموات وما فيهما من الأشجار والنبات والأفلاك الدائرات، والنجوم السائرات، والبحار الزاخرات وما في كل شيء منها من العجائب والعبر والتصاريف والغير، علم أنها لو كانت قديمة لما تغيرت ولا تقلبت أحوالها ولا تفكرت؛ فغن القديم لا يزول ولا يتغير ولا يحول بل المتغير مبدوع والمتقلب مصنوع.
مسألة: قال الشيخ أبو الحسن (1) رحمه الله: الدليل على حدث الخلق انا وحدنا العالم أجساما وجواهر وأعرضا لا تنفك من الاجتماع والافتراق محدثان كانا بعد أن لم يكونا. فما لم ينفك من الحوادث محدث ولا يتوهم الجسم خاليا منها. وقد صح وثبت أن الاجتماع والافتراق معنيان بهما اجتمع المجتمع وافتراق المفترق، وهما مجتمعان لجامع جمعهما، ومفرق فرقهما فدلك بذلك على حدثهما، وقد قال الله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (2) مع أن المحدث ما لم يكن يكون، وبالله التوفيق.
পৃষ্ঠা ৪০