وروى مسلم أنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون )).
هذا، وأما حديث: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الأقصى)) إن صح فلا حجة فيه لمنع زيارة القبور وشد الرحال إليها؛ لأن حمل الحديث على ظاهره خلاف القرآن والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالى: ?فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه?[الملك:15]، ?لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف?[قريش:1-2]، ?وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة?[النساء:101]، ?وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس?[النحل:7]، ?ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر?[البقرة:185].
وأما السنة فالمعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يغزو الكفار وغزواته كثيرة، وكان يبعث البعوث، وأمر بعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة.
وأما الإجماع: فلا زال المسلمون يشدون الرحال للتجارة والإجارة والتداوي وغيرها بلا نكير في كل زمان ومكان؛ فإذا عرفت أن هذا الحديث ليس على ظاهره لزم تأويله فنؤله بأن المراد لا تشد الرحال إلى مسجد غير الثلاثة المساجد المذكورة، ويؤيد هذا أن الغالب في المستثنى أن يكون من جنس المستثنى منه فإذا حذف المستثنى منه ولم يمكن أن يكون جنسا عاما فلا يصح أن يقدر بجنس خاص إلا بقرينة تدل عليه، وقوله: إلا إلى ثلاثة مساجد، قرينة تدل على أنه أراد لا تشد إلى مسجد إلا إلى هذه المساجد.
فإن قالوا: نحمله على العموم ونخص ما خصه الدليل.
قلنا: فالدليل قد خصص الزيارة وهو ما قدمنا.
পৃষ্ঠা ৪১