ولو جاز أن يقال: لم يزل ساخطا على أهل المعصية راضيا على أهل الطاعة، والسخط غير الرضى، والثواب غير العقوبة، والنار غير الجنة، وهما محدثان، وما دخل فيه التغاير خرج من أن يكون قديما، ولو كان ذلك لثبت الثلاثة وبطل التوحيد، فلما لم يجز هذا وأن العقوبة لا تكون إلا بعد الذنب، والذنب محدث، والثواب لا يكون إلا بعد الإيمان /32/ والعمل به، وهو محدث. وإنما يجب بعد استحقاق العامل بفضل من الله بذلك على المؤمنين لما علم الله من أعمالهم، وجازى الكافرين على سوء أعمالهم دل ذلك أنهما لم يكونا إلا بعد أن لم يكونا ثم كانتا، والجنة ثواب للفعل الذي وجب به من الطاعة الذي لم يزل، ثم أحدث الأشياء؛ لأن عقوبته عذابه، وجنته ثوابه، وهما محدثان بعد أن لم يكونا.
فإن قال: لم يزل ساخطا على الكافرين، راضيا على المؤمنين!.
قيل له: فكيف يكون ذلك ورحمته سبقت غضبه، وإذا كان الشيء سابقا للشيء فالثاني محدث، وما دخل فيه التغاير بطل أن يكون قديما؛ فإما أن يقول: إن الله لم يزل وهو الساخط على أهل المعصية، ولم يزل وهو الراضي عن أهل الطاعة فجائز ذلك. أو يقول: إن الله لم يزل عالما بأهل الطاعة وأعمالهم وما يستحقونه من ذلك، وعالما بمن يعصيه وما استوجب بالعقوبة على معصيته، وكذلك نقول.
فإن قال: أليس قد قيل: إن الله لم يزل يبرأ ممن برئ منه لا ببراءة هي غيره، ولم يزل يتولى أولياءه لا بولاية هي غيره؟
قيل له: لو جاز ذلك لكان هو ثواب وهو عقاب لا غيره، فلما لم يجز أن يكون هو العقاب ولا الثواب وإنما هو المعاقب والمثيب على الطاعة والمعصية، وهما محدثان، وإنما يحدثهما بما عملوا دل أن ذلك غيره وهو محدث، تعالى الله عن شبه خلقه.
পৃষ্ঠা ৪৪