وقد أجمع أهل الصلاة أن الله لا يجوز أن يراه أحد من أعدائه في الآخرة، ومما يذكر الشيء ويراد معناه قوله عز وجل: { ?فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } (¬1) فجعل استسلامهم للقتال قتلا منهم لأنفسهم، ومما يضاف الفعل إليه إذا كان من سببه مثل قوله عز وجل: { ?فأخرجهما مما كانا فيه } (¬2) وإنما أخرجهما فعلهما، فأضيف إليه إذ كان من سببه، ومما يقرب من هذا المعنى قوله جل ذكره: { ?فزادهم رجسا إلى رجسهم } (¬3) ولم يزدهم رجسا. ولكن لما ازدادوا عند نزولها عنادا وكفرا جاز أن يضاف ذلك إليها. وقوله جل وعز: { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } (¬4) لما ازدادوا نفورا عن دعائه إياهم إلى الله جل وتعالى جاز أن يقول: إن دعاءه زادهم نفورا لقربه منه قولهم: راوية ماء، والراوية هي البعير الذي يستقى عليه الماء، فإذا كثر صحبة الشيء للشيء أجري عليه اسمه كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الجفاء والقساوة في الفدادين) يعني الزراع أصحاب البقر التي يحرث عليها والفدادون هي البقر، واحدها فدان بالتخفيف، فأجرى على أربابها اسمها، ونحو ذلك مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن عسب الفحل) قال أكثر أهل اللغة: أنه إنما نهى عن الكري الذي يؤخذ على ضراب الفحل، فذكر العسب وأراد ما يؤخذ عليه من كسب المال، وقال بعض الشعراء يهجو قوما حبسوا عليه غلاما أعاره إياهم (¬5) فقال شعرا:
ولولاعسبه لتركتموه وشر منيحة عسب معار.
باب الاضمار والكناية
¬__________
(¬1) البقرة: 54.
(¬2) البقرة: 36.
(¬3) التوبة: 125.
(¬4) نوح: 6.
(¬5) في (ج) أعارهم إياه.
পৃষ্ঠা ৬৬