إلا أن الأمر على ما قد وصفت لك مرارا كثيرة فى كتابى هذا من أنه ليس أحد من أهل اليسار يقصد قصد محنة الأطباء على الحقيقة الصحيحة وكيف يمتحنونهم. وليس يهمهم هذا الأمر حتى يحضروا المرضى فيروا ما يعالجهم به الأطباء. وكثيرا ما يموت مرضى كثير من أمراض ضعيفة بسوء تدبير الأطباء. وإن أهل اليسار لو حضروا أولئك المرضى، لما قدروا أن يعرفوا ما مقدار ذلك المرض فى ضعفه وقوته. وقد كان يجب عليهم ولو لم يعرفوا شيئا من أمر المرضى، أن يعرفوا مقدار قوة المرض، خاصة على المعلول، كيلا يذموا طبيبا غلبه مرض قوى ولا يحمدوا طبيبا أبرأ مرضا ضعيفا. وما عندهم من العناية بهذا ما يدعوهم إلى أن يعيرونا مسامعهم، ولو قليلا، حتى نعلمهم الدلائل التى يعرف بها مقدار المرض فى القوة والضعف، وحاله فى الخبث والسلامة. ومنهم من هو مشغول دهره بجمع الأموال وطلب مراتب السلطان. ومنهم من هو مشغول باللذات. ومن تعاطى منهم قراءة الكتب، وهم القليل، فإنهم يفنون أعمارهم ويشغلون أنفسهم من ذلك فيما لا ينتفع به من أحاديث من مضى وأيام الناس مما أكثره باطل، ومن تعرف الألفاظ، كيف كانت تستعمل قديما. ويغفلون العلوم التى هى أنفع العلوم وأحسنها واجلها، وهى علوم الطب والفلسفة. ولو صرفوا عنايتهم إلى هذه العلوم، لما نفق عندهم الجهل من الأطباء، ولا احتجت إلى أكثر فى صفة الطريق الذى يمتحن به الأطباء.
وأنا تارك ذكر الأغنياء ومن قد أفسده أهل الملق، كما قلت قبل، ومقبل على من يعنيه الحق وإليه يقصد، فأذكر له من هذه الأعمال التى وصفت فى هذا الكتاب أنه ينبغى أن يمتحن الطبيب بها.
فأقول إنه لا يجب إن أبرأ طبيب أمراضا كثيرة أن يحمد نفسه؛ ولا يحمد متى لم يكن منها شىء خبيث. ولا ينبغى متى رأيته أيضا قد أبرأ مريضين أو ثلاثة — من أمراض قوية خبيثة — البرء التام، أن ينتظر بالقضية عليه بالحذق أن يجرب مرة أخرى. ولا بد لمن أراد أن يمتحن الأطباء بهذه الطريق من أن يكون قد شدا من أوائل علوم الطب شيئا. فإن لم يكن شدا من ذلك شيئا، كان من طبعه جودة الذهن والفطنة.
পৃষ্ঠা ১৩০