أن اقتبس الإفرنج عادات الشرقيين فاستعملوا الحمامات والألبسة المسترسلة الفضفاضة، ونظموا خيالة مسلحين على الطريقة الإسلامية، قال لبون: إن النضال الذي ناضله الصليبيون في حملاتهم الأولى كان نضال عالم لم يزل على توحشه مع مدنية من أرقى المدنيات التي حفظ التاريخ ذكراها.
قال لركيه في كتابه الفن والتاريخ: ورث العرب فيما ورثوا عن الأمم التي دخلت في حوزتهم الفنون والصنائع، وأخذوا يحذقونها ويبرعون فيها في مدارس المورثين؛ إذ لم يكن في استطاعتهم أن يرتجلوا فنا كما ارتجلوا لهم ملكا، ومع ذلك لم يمض زمن طويل حتى نبغ فيهم البناءون والحفارون والمصورون والنقاشون، دون أن يروا في شيء من ذلك مخالفة لنصوص كتابهم، أو معارضة لشريعة نبيهم، ولم يقفوا عند حد الحذق والبراعة بل تعدوه إلى التفنن والإبداع فنقحوا وصححوا وحذفوا وأضافوا، ثم اخترعوا وابتكروا، حتى طبعوا تلك الفنون بالطابع العربي، وصبغوها بالصبغة الإسلامية، حرصا على شخصيتهم أن تفنى، وعلى نبوغهم وعبقريتهم أن يذهبا، فأصبح الروح العربي بارزا واضحا يندمج فيه غيره، ولا يندمج في شيء، ولهذا خلقت العرب لها فنا يوافق ذوقها، ويسير مع طبعها، وسرعان ما انتشر في أرجاء تلك المملكة الواسعة انتشار الكهرباء. ا.ه.
قالوا: وقد خضعت الفنون الإسلامية لنواميس الطبيعة الإقليمية فاصطبغت في كل قطر بصبغته الخاصة، وكانت في عامة أحوالها من أندلسي ومغربي وصقلي ومصري وشامي وعراقي وفارسي وهندي ومغولي إسلامية أصلية كريمة نبيلة، تنطق بما للإسلام من إباء ونجدة وشهامة ونخوة إلخ.
هذا ما لقفه العرب وثقفوه، بل هذا مجمل ما اخترعوه وكشفوه، استفادوا منه وأفادوا أهل المدنية الحديثة، عملوا فيه وحدهم بعقولهم وتجاربهم، وتواضعوا على ما لم تشاركهم فيه أمة لا كما كان شأن العلم في عصره الحديث، كثرت فيه الأيدي العاملة حتى استحال في بعض ما اخترع وكشف أن يعزى إلى أمة بعينها، أبرزت العرب علمها العملي في زمن قصير، فظهر وبهر، وعم البدو والحضر، كل ذلك من دون دعوة ولا إعلان ولا تبجح ولا منة، نقلوه إلى الغرب حلالا طيبا، وما منوا على أهله، ولا سألوهم ثمن ما أعطوهم، واليوم طويت صحفهم العلمية، وأصبحت مغانيهم كأن لم تغن بالأمس، وقام الشعوبيون أعداؤهم يصغرون من شأنهم، ويبخسونهم أشياءهم، ويتناولونهم بالنقد والتنقيص، وما حقهم لو أنصفوا إلا الحمد والثناء.
أثر الشعر العربي والفنون الجميلة في الغرب
الموشحات الأندلسية وكلام شاعر الإسبان في أدب الأندلس
فعلت البيئة فعلها في عقول العرب لما نزلوا الشام والعراق وفارس، فلما انتقلوا إلى الأندلس جاء شعرهم خلابا بمعانيه وتصويره وتأثيره، كأنه نمط آخر من شعر المشارقة، احتفظ بجميع ضوابط الشعر وأصوله، وجاء شعرا صادرا من أعماق القلوب لا من أطراف الشفاه، والذي ساعد عرب الأندلس
1
على بلوغ شأو العظمة اتساع نطاق العلوم والفنون والفلاحة والصنائع عندهم، وقد ذاقوا كلهم لذة المعارف، وتنافسوا في ابتكار ما يمتازون به، والشعر يرفع أقدار نفوسهم، وكان على القضاة أن يتقنوا صنوفا من العلم حتى يحلوا من الناس محل التجلة والكرامة، وقد بلغوا درجة عليا في فنون البناء والموسيقى والقريض، وارتقى الأدب في أهل الأندلس حتى في النساء لشيوع التعليم في العامة والخاصة، وغلب الشعر على أصقاع بعينها مثل شلب ووادي آش
2
অজানা পৃষ্ঠা