ইসলাম ও আরব সভ্যতা

মুহাম্মদ কুর্দ আলী d. 1372 AH
139

ইসলাম ও আরব সভ্যতা

الإسلام والحضارة العربية

জনগুলি

أن العرب أحرزوا فضل السبق دون غيرهم في مضمار التجارة، ورقوا الصناعة البحرية، ووضعوا قوانين حقوق الملاحة، واقتبسوا استعمال إبرة السفينة من الصينيين، وضبطوا التجارة بفن مسك الدفاتر أي ضبط، وشرحوا الكفالة وأنشأوا المصارف للفقراء، ووضعوا السفاتج (الكمبيالات) المألوفة وردود التمسك (البروتستو)، وبعثوا الحركة في مصارف الغرب الحديثة. قال: وكنت تراهم حين نزلوا يمهدون السبل، ويعمرون المرافئ والفرض، ويصلحون الفنادق والرباطات، ويرتبون سير القوافل، وكانت المدن الإسلامية أوساطا تجارية كبرى، وبعد أن ذكر ارتباط المدن الإسلامية وعدد نفوس العواصم منها وعظم حركتها، قال: وإن تعجب فاعجب للعرب كيف نبغ بينهم لأسفارهم المترامية أساتذة جغرافيون هذبوا في وقت قصير كتاب بطلميوس، وكشفوا بلادا أخرى بغير أقدامهم لم توطأ؛ ووسعوا المصورات للغربيين، وحببوا إليهم التنقل والترحال.

وقال سنيوبوس: وكتب علماء العرب أول كتاب في الجبر، ووصف علماء الجغرافيا منهم البلاد البعيدة التي كانت تختلف إليها القوافل، واستخرجوا من كتب الطب اليوناني الطب التجربي، وهو طب العقاقير والحبوب، وأهم ما غلب على العرب من العلوم علم الكيمياء. وقال ريسون: إن استبحار عمران العرب مع سرعة انتشار سلطتهم في المعمور هيأ لنا إدراك مكانة المدنية العربية، فكانت هذه الحضارة الباهرة في القرون الوسطى مزيجا من المدنية البيزنطية والفارسية، وقد تم هذا المزيج المدني بأمرين: عشق العرب للتجارة وغرامهم بالاستعمار، وأصبحوا لذكائهم الوقاد، ولما غرس فيهم من حب الاطلاع على كل شيء، يخوضون غمار العلوم الطبيعية والرياضية، فابتدعوا الكيمياء وبرعوا بها ، وطبقوا تلك العلوم على الزراعة والصناعة، ولهم المنة على جميع الأمم بأرقامهم العربية وباستنباطهم فن الجبر والمقابلة، وتهذيبهم الهندسة، وأعمالهم الجميلة الفلكية في أبحاث سمت الشمس، ومعادلة الليل والنهار، والبقع الشمسية، ولقد اصطنعوا الآلات العجيبة الفلكية كالاصطرلاب ونحوه، وكشف كيماويوهم وأطباؤهم عن خواص الغول والنشادر وحامض الأزوت والكبريت والمياه المعدنية، وأدخلوا في كثير من أدويتهم مواد من نبات بلادهم كالكافور والراوند والسنامكي، وهم أسرع الناس لتدوين أنسابهم وملاحمهم وأبطالهم ورواية أشعارهم، والكتابة في فلسفة التاريخ وعلوم الاجتماع، وتوصل العرب إلى إثبات تناسب جيوب الأضلاع لجيوب الزوايا المقابلة لها في أي مثلث كروي، ووضعوا هذه القاعدة أساسا للطريقة التي سموها الشكل المغني في حل المثلثات الكروية، وعرفوا حامض الكبريت استخرجوه من الزاج بواسطة التقطير، وعرفوا ماء الفضة والقلى، وطرق إذابة الذهب وملح النشادر وحجر الكي والسليماني، وكانوا يطبقون ما كشفوه على الطب والصناعة والحرب،

17

ويعرفون صنع الصواريخ أخذوا سرها من الروم، وعملوا البارود للمدافع، وربما كان ذلك قبل الصينيين، ولكن كان قبل الأوروبيين على التحقيق، فكانت جيوشهم تستعملها منذ القرن الثالث عشر، وقالوا بكروية الأرض منذ ابتداء نهضتهم. وعني العرب بصنع القاشاني وغيروا طرق صنعه وأشكاله، واشتهرت في القرون الوسطى الأواني الزجاجية والمصابيح العربية الملونة التي انتقلت من الشام إلى معامل البندقية ونسجت هذه على منوالها، وكذلك تعلم البنادقة صنع المرايا وكانت تصنع في الصور، ومن البندقية انتقلت إلى أوروبا، ونقل من الشام والعراق إلى الأندلس صنع السيوف الدمشقية والأقمشة، ومنها «الدمقس» نسبة إلى دمشق، «والموسلين» نسبة إلى الموصل وهو الشفوف، ثم عرفت هذه الأصناف في بلاد الغرب.

كان الفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية تقرأ في أوروبا في كتب العرب، ولما كان العرب سادة البحر المتوسط في القرن السابع وما بعده أعطوا الطليان والفرنسيس الألفاظ البحرية، وكان الطب العربي أساس علم الطب عند الفرنسيس أخذوه مع كثير من الألفاظ العربية، والعرب هم الذين أدخلوا إلى مونبيليه منذ سبعمائة سنة، وإلى كثير من مدن فرنسا وإيطاليا، بضائع العلوم المختلفة، جاؤا بها من الأندلس ، ودرس بعض الغربيين العلوم المختلفة على علماء العرب. ومن كتب العرب العلمية في العلم الطبيعي والرياضي والفلك والكيمياء ما فقد أصله العربي وبقيت ترجمته اللاتينية، وجميع المادة الطبية التي أخذها الغربيون من العرب بقيت إلى القرن السابع عشر هي المعول عليها وحدها. قال سنيوبوس: ويتعذر الحكم في تحديد الطرق التي دخل منها إلى أوروبا اختراع من اختراعات الشرق، وفيما إذا كان انتهى إلينا من طريق الصليبيين في فلسطين، أو من طريق التجار الإيطاليين، أو جاءنا من عرب صقلية أو من المغاربة في إسبانيا، بيد أن الحساب يمكن تقديره بما نحن مدينون به للعرب، وإن كان هذا الحساب مما يطول شرحه، فقد أتتنا من العرب: أولا الحنطة والهليون والقنب والكتان والتوت والزعفران والأرز والنخيل والليمون والبرتقال والبن والقطن وقصب السكر. ثانيا معظم صناعاتنا في التزين كالأقمشة الدمشقية القطنية والسختيان وأقمشة الحرير المزركشة بالفضة والذهب والشاش الموصلي والشفوف والحبر والمخمل والورق والسكر وعمل الحلويات والمشروبات. ثالثا مبادئ كثير من علومنا كالجبر وحساب المثلثات والكيمياء والأرقام العربية التي اقتبسها العرب من الهنود فسهل بها الحساب مهما كان صعبا، ولقد جمعت العرب وقربت جميع الاختراعات والمعارف المأثورة عن العالم القديم في الشرق (كيونان وفارس والهند والصين)، وهم الذين نقلوها إلينا ودخل كثير من الألفاظ في لغاتنا، وهي شاهدة مما نقلناه عنهم، وبواسطة العرب دخل العالم الغربي الذي كان بربريا في غمار المدنية، فإذا كان لأفكارنا وصناعاتنا ارتباط بالقديم، فإن جماع الاختراعات التي تجعل الحياة سهلة لطيفة، قد جاءتنا من العرب، وأخذ الأوروبيون من العرب صنع الجوخ في جملة ما أخذوا من الصنائع.

وكان أهل بيزا الإيطاليون ينزلون مدينة بجاية في الجزائر، فتعلموا منها صنع الشمع، ومنها نقلوه إلا بلادهم وإلى أوروبا. وقال سنيوبوس أيضا: وكان عبد الرحمن الثالث الأموي على اتصال دائم بأمراء إسبانيا وفرنسا وألمانيا وممالك الصقالبة، وكان القصر الملوكي في تولوزة من بلاد فرنسا صورة من صور قصور الخلافة في قرطبة، يتبارى فيه الشعراء وتقوم فيه للآداب سوق، ولما انتقل أحد أمرائهم ليتولى عرش فرنسا سنة 999 أدخل ما أخذ عن العرب تبدلا حقيقيا في باريز من حيث الأخلاق واللغة، وكان ملوك فرنسا من أهل السلالة الثالثة يقلدون العرب في كل شيء، وتعلم الفرنسيس أشياء كثيرة في حملة سان لوي الصليبية التي بقيت عدة سنين في الشرق، وفي الحروب الصليبية تعلم الفرنسيس صنع الورق من دمشق بواسطة أسيرين منهم قضيا زمنا في هذه المدينة، فلما عادا إلى بلادهما نشرا فيها هذه الصناعة المفيدة، وكان لكثير من ملوك أوروبا حرس من العرب إلى عهد قريب، ولا سيما إيطاليا وفرنسا. وذكر سيديليو أن بعض الإفرنج زعموا أن العرب لم يعملوا في تقدم الصنائع شيئا مع أنهم برعوا في جميع الفنون الصناعية واشتهروا عند سائر الأمم بأنهم دباغون سباكون جلاءون للأسلحة نساجون أصناف الأقمشة، ماهرون في الأشغال التي تصنع بالمنقاش والمقراض، ويؤيد علو كعبهم في هذه الفنون سيوفهم الباترة، ودروعهم الخفيفة الصلبة، وبسطهم ذات الوبر، ومنسوجاتهم من الصوف والحرير والكتان، وما كشمير هذه الأيام إلا نموذجات دالة على تلك الصناعة. ويقول رينو في كتابه الغارة على فرنسا: إن العرب لما آغاروا من الأندلس على جنوبي فرنسا وافتتحوا بقيادة السمح الخولاني وعنبسة الكلبي والحر الثقفي مدائن أربونة وقرقشونة وأفنيون وليون كانوا مجهزين بأسلحة لم يكن للإفرنج مثلها.

وذكر لبون: «أن خزائن الكتب والمخابر والآلات هي مواد للتعليم والبحث اللازم، ولكنها ليست إلا أدوات، وقيمتها مناط الطريقة التي تستعمل لها، وقد يتلقف المرء علم غيره وهو عاجز عن أن يفكر بنفسه ويوجد شيئا، ويكون تلميذا دون أن يوفق إلى أن يصبح أستاذا، أما العرب فبعد أن كانوا تلاميذ عاديين، أساتذتهم تآليف اليونان، أدركوا للحال أن التجربة والملاحظة تساويان أكثر من أحسن الكتب، هذه الحقيقة اليوم معروفة لا يعد العمل بها بدعا، ولم تكن كذلك في الدهر السالف، فقد ظل علماء القرون الوسطى يشتغلون ألف سنة قبل أن يدركوها، ينسب الناس إلى باكون قاعدة التجربة والملاحظة، وهما الأصل في أساس البحث العلمي الحديث، بيد أن الواجب أن يعترف اليوم أن هذه الطريقة كلها هي من مبتدعات العرب.» وقال بهذا الرأي جميع العلماء الذين درسوا كتبهم ولا سيما هومبولد، قال: إن العرب بلغوا في العلم العملي درجة لم يكن يعرفها أحد من القدماء. وقال سيديليو: وقد اشتهرت مدرسة بغداد في أول أمرها بفكرتها العلمية حقيقة، وكان لها السلطان الأكبر على أعمال العرب، فساروا من المعلوم إلى المجهول، واستنبطوا أسرار المحسوسات ليرجعوا الأسباب إلى مسبباتها، ولا يقبلوا إلا ما أثبتته التجربة، وهذه هي الأصول التي لقنها العلماء، ولقد كان العرب في القرن التاسع متمكنين من هذه الطريقة الخصيبة التي صارت بعد عند المحدثين أداة استعملوها للوصول إلى أجمل ما كشفوه، فكانت التجربة والملاحظة من أسلوب العرب، ودرس الكتب والاكتفاء بترديد رأي المعلم كانت طريقة أوروبا في القرون الوسطى، والفرق ظاهر بين الطريقتين، ولا تقدر طريقة العرب في العلم حق قدرها إلا بالبحث فيها.

ولقد اعتمد العرب على التجارب وسبقوا العالم، وظلوا على سبقهم دهرا طويلا، وعرفوا مكانة هذه الطريقة، وليس لليونان في الكيمياء ولا مجرب واحد، ويعد المجربون بالمئات عند العرب، وقد أورثت عادة التجربة أعمالهم العلمية هذا الوضوح والإبداع الذي لا ينتظر أبدا أنه يسقط عليها عند من لم يدرس الظاهرات إلا في الكتب، ولم يفتهم الإبداع إلا في علم استحال عليهم فيه الرجوع إلى التجارب وهو علم الفلسفة، والأساليب التجريبية التي كتب لهم فضل السبق فيها قادتهم بالضرورة إلى كشف أمور مهمة وفقوا إليها في ثلاثة أو أربعة قرون، لم يكتب مثله لليونان في زمن أطول من زمنهم بكثير، وهذه الذخيرة في العلم الماضي التي انتقلت إلى اليونان قبلهم ولم يستخرجوا منها كبير أمر منذ دهر طويل نقلها العرب برمتها مبدلة إلى أخلافهم. ولم يقف عمل العرب عند تثمير العلم بما أوجدوه بل نشروه بواسطة جامعاتهم وكتبهم، فالتأثير الذي أثروه من هذا النظر في أوروبا كان عظيما في الحقيقة، وكانوا خلال عدة قرون أساتيذ منفردين، عرفتهم الأمم النصرانية، وإليهم يرجع الفضل في معرفتنا المدنيتين اليونانية واللاتينية، وفي العهد الحديث فقط تجرد تعليم جامعاتنا من الاعتماد على تراجم كتب العرب، وكف عن الأخذ بواسطتهم.

تفنن العرب في الهندسة والتصوير

وللعرب في باب الهندسة الإبداع الذي أقرهم عليه كل عارف، ولم ينازعهم فيه منازع، ولم يخترع العرب أبنية خاصة بهم، بل تجلى في هندستهم حبهم للزخرف واللطف، واخترعوا القوس المقنطر ورسم البيكارين وجعل تفننهم في هندسة القباب والسقوف والمعرشات من الأشجار والأزهار، لجوامعهم وقصورهم بهجة لا يبلى على الدهر جديدها، ودلت كل الدلالة على إيغالهم في حب النقوش والزينة، كأن أبنيتهم ومصانعهم هي قماش من أقمشة الشرق تفنن حائكها في رقشها ونقشها كما قال أحد العارفين من الإفرنج. وعقد لبون فصلا في تأثير العرب في الصنائع ولا سيما في الهندسة في الغرب وقال: ربما ادعى بعضهم أن الهندسة الغوتية مأخوذة عن العرب، وهذا وهم فإننا إذا قابلنا بين كاتدرائية غوتية من القرن الثالث عشر والرابع عشر وبين مسجد من ذينك القرنين نجد اختلافا بينا بين الهندستين، ولما كانت الفنون تعبر عن حاجات عصر وعواطف أهله، اختلفت هندسة الغرب عن الهندسة العربية في الشرق، وقد أخذت أوروبا من العرب تفاصيل في الزينة ووجدت على بعض البيع في فرنسا صور حروف عربية منحوتة في الحجر وأكاليل على بعض الحصون تشبه الطراز العربي، وكثير من كنائس فرنسا تأثرت بالهندسة العربية ولا سيما في المدن التي كان لها علائق كثيرة مع الشرق. وقد جلب الصليبيون من الشرق أصول هندسة بيت المؤذن في المنارات والمشربيات والمعرقات والمراصد في الأبراج والزغاليل والأبراج الناتئة والأفاريز ذات الدرابزين، واستخدمت فرنسا كثيرا من مهندسي الأجانب، وكان فيهم العرب، حتى إن كنيسة «نوتردام دي باري» المشهورة في عاصمة فرنسا عمل فيها مهندسون من العرب. أما تأثير العرب في هندسة إسبانيا فظاهر ظهور الشمس والقمر، إلى أن قال: قد ينقرض شعب وتحرق كتبه، وتهدم مصانعه، ولكن التأثير الذي أثره يقاوم أكثر مما يقاوم القلز، وليس في طاقة القوة البشرية أن تأتي عليه، والقرون قد تفعل في القضاء عليه أكثر من ذلك.

অজানা পৃষ্ঠা