فاعلم أن تحت اللفظ اجمالًا وإنما ينكشف لك ذلك بما أقوله وهو أن العالم مثلًا يصدق عليه أنه واجب وأنه محال وأنه ممكن. أما كونه واجبًا فمن حيث أنه إذا فرضت إرادة القديم موجودة وجودًا واجبًا كان المراد أيضًا واجبًا بالضرورة لا جائزًا، إذ يستحيل عدم المراد مع تحقق الإرادة القديمة وأما كونه محالًا فهو أنه لو قدر عدم تعلق الارادة بايجاده فيكون لا محالة حدوثه محالًا إذ يؤدي إلى حدوث حادث بلا سبب وقد عرف أنه محال. وأما كونه ممكنًا فهو أن تنظر إلى ذاته فقط، ولا تعتبر معه لا وجود الإرادة ولا عدمها، فيكون له وصف الإمكان، فإذًا الاعتبارات ثلاثة: الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة وتعلقها فهو بهذا الاعتبار واجب.
الثاني أن يعتبر فقد الإرادة فهو بهذا الاعتبار محال.
الثالث أن نقطع الالتفات عن الإرادة والسبب فلا نعتبر وجوده ولا عدمه ونجرد النظر إلى ذات العالم فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث وهو الإمكان. ونعني به أنه ممكن لذاته، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنًا فظهر منه أنه يجوز أن يكون الشيء الواحد ممكنًا محالًا، ولكن ممكنًا باعتبار ذاته محالًا باعتبار غيره، ولا يجوز أن يكون ممكنًا لذاته محالًا لذاته، فهما متناقضان فنرجع إلى خلاف المعلوم فنقول: إذا سبق في علم الله تعالى إماتة زيد صبيحة يوم السبت مثلًا فنقول: خلق الحياة لزيد صبيحة يوم السبت ممكن أم ليس بممكن؟ فالحق فيه أنه ممكن ومحال؛ أي هو ممكن باعتبار ذاته إن قطع الالتفات إلى غيره، ومحال لغيره لا لذاته وذلك إذا اعتبر معه الالتفات إلى تعلق ذاتها وهو ذات العلم، إذ ينقلب جهلًا، ومحال أن ينقلب جهلًا فبان أنه ممكن لذاته محال للزوم استحالة في غيره. فإذا قلنا حياة زيد في هذا الوقت مقدورة، لم نرد به إلا أن الحياة من حيث أنها حياة ليس بمحال، كالجمع بين السواد والبياض. وقدرة الله تعالى من حيث أنها قدرة لا تنبو عن التعلق بخلق الحياة ولا تتقاصر عنه لفتور ولا ضعف ولا سبب في ذات القدرة، وهذان أمران يستحيل إنكارهما، أعني نفي القصور عن ذات القدرة وثبوت الإمكان لذات الحياة من حيث أنها حياة فقط من غير التفات إلى غيرها، والخصم إذا قال غير مقدور على معنى أن وجوده يؤدي إلى استحالة فهو صادق في هذا المعنى، فإنا لسنا ننكره ويبقى النظر في اللفظ هل هو صواب من حيث اللغة إطلاق هذا الاسم عليه أو سلبه، ولا يخفى أن الصواب إطلاق اللفظ فإن الناس يقولون فلان قادر على الحركة والسكون، إن شاء تحرك وإن شاء سكن، ويقولون إن له في كل وقت قدرة على الضدين ويعلمون أن الجاري في علم الله تعالى وقوع أحدهما، فالاطلاقات
1 / 53