ذاته، والصفة الزائدة التي بها تهيأ للفعل الموجود نسميها قدرةً، إذ القدرة في وضع اللسان عبارة عن الصفة التي يتهيأ الفعل للفاعل وبها يقع الفعل، فإن قيل ينقلب عليكم هذا في القدرة فإنها قديمة والفعل ليس بقديم، قلنا سيأتي جوابه في أحكام الإرادة فيما يقع الفعل به، وهذا الوصف مما دل عليه التقسيم القاطع الذي ذكرناه. ولسنا نعني بالقدرة إلا هذه الصفة، وقد أثبتناها فلنذكر أحكامها. ومن حكمها أنها متعلقة بجميع المقدورات، وأعني بالمقدورات الممكنات كلها التي لا نهاية لها. ولا يخفى أن الممكنات لا نهاية لها فلا نهاية إذًا للمقدورات، ونعني بقولنا لا نهاية للممكنات أن خلق الحوادث بعد الحوادث لا ينتهي إلى حد يستحيل في العقل حدوث حادث بعده، فالإمكان مستمر أبدًا والقدرة واسعة لجميع ذلك، وبرهان هذه الدعوى وهي عموم تعلق القدرة أنه قد ظهر أن صانع كل العالم واحد، فإما أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة والمقدورات لا نهاية لها فتثبت قدرة متعددة لا نهاية لها وهو محال كما سبق في إبطال دورات لا نهاية لها، وإما أن تكون القدرة واحدة كما سبق في إبطال دورات لا نهاية لها، وإما أن تكون القدرة واحدة فيكون تعلقها مع اتحادها بما يتعلق به من الجواهر والأعراض مع اختلافها لأمر تشترك فيه ولا يشترك في أمر سوى الامكان، فيلزم منه أن كل ممكن فهو مقدور لا محالة وواقع بالقدرة.
وبالجملة، إذا صدرت منه الجواهر والأعراض استحال أن لا يصدر منه أمثالها، فإن القدرة على الشيء قدرة على مثله إذ لم يمتنع التعدد في المقدور لنسبته إلى الحركات كلها والألوان كلها على وتيرة واحدة فتصلح لخلو حركة بعد حركة على الدوام، وكذا لون بعد لون وجوهر بعد جوهر وهكذا.. وهو الذي عنيناه بقولنا إن قدرته تعالى متعلقة بكل ممكن فإن الإمكان لا ينحصر في عدد. ومناسبة ذات القدرة لا تختص بعدد دون عدد ولا يمكن أن يشار إلى حركة فيقال أنها خارجة عن إمكان تعلق القدرة بها، مع أنها تعلقت بمثلها إذ بالضرورة تعلم أن ما وجب للشيء وجب لمثله ويتشعب عن هذا ثلاثة فروع.
الفرع الأول: إن قال قائل هل تقولون أن خلاف المعلوم مقدور؟ قلنا: هذا مما اختلف فيه، ولا يتصور الخلاف فيه إذا حقق وأزيل تعقيد الألفاظ وبيانه أنه قد ثبت أن كل ممكن مقدور وأن المحال ليس بمقدور. فانظر أن خلاف المعلوم محال أو ممكن ولا تعرف ذلك إلا إذا عرفت معنى المحال والممكن وحصلت حقيقتهما وإلا فإن تساهلت في النظر، ربما صدق على خلاف المعلوم أنه محال وأنه ممكن وأنه ليس بمحال، فإذًا صدق أنه محال وأنه ليس بمحال والنقيضان لا يصدفان معًا.
1 / 52