وقوله: (ومن مقام آخر في مثل حاله): هذا الكاتب الثاني: هو شجاع بن القاسم، كاتب أوتامش التركي، وكان يتولى عرض الكتب على المستعين: أحمد بن محمد المعتصم، وكان جاهلًا لا يحسن القراءة، إلا أنه كان ذكيًا، تقرأ عليه عشرة كتب، فيحفظ معانيها، ويدخل إلى المستعين يسامره فيها، ولا يغلط في شيء منها.
وكان يصور له الحرف فيكتب مثاله فقرأ على المستعين كتابًا كلفه قراءته، وكان فيه: (حاضر طي)، وطي قبيلة من قبائل اليمن، وحاضرهم من حضر منهم، فصحفه وقال: (جاء ضرطي) والضرط: لغة في الظرط فضحك المستعين.
ويروى أنه دخل على المستعين وذيل قبائه قد تخرق، فقال له المستعين: ما هذا يا شجاع!! وكان يستظرف ما يأبى به. فقال: يا أمير المؤمنين، داس الكلب ذنبي فخرقته قباءه. يريد دست ذنب الكلب فخرق قبائى. ومدحه بعض الشعراء، فقال: في مدحه:
أبو حسن يزيد الملك حسنا ... ويصدق في المواعد والفعال
جبان عن مذلة ملية ... شجاع في العطية والسؤال
فقال له: وما يدريك- ويلك- أني جبان. فقال: إنما قلت- أعزك الله- إنك جبان عن البخل، لا جبان عن الأعداء. وهذا من أحسن المدح، واستشهد
1 / 72