وقوله: (والآن: حد الزمانين: يعنون بالزمانين الماضي والمستقبل ويعنون بالآن، الزمان الحاضر. وسموه حد الزمانين، لأنه يفصل بين الماضي والمستقبل، وهو يستعمل في صناعة الكلام على ضربين: أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز. فالآن الذي يقال على الحقيقة، لا يمكن أن يقع فيه فعل ولا حركة على التمام، لأنه ينقضي أولًا فأول، وليس بثابت. إ نما هو شبيه بالماء السيال الذي يذهب جزءًا بعد جزء. فإن الزمان الذي ينطلق فيه بالجيم من جعفر، لا يلبث حتى يجئ الزمان الذي ينطق فيه بالعين. والزمان الذي ينطق فيه بالعين، لا يلبث حتى يجئ الزمان الذي ينطق فيه بالفاء. بل يذهب كل زمان منه ويعقبه الآخر، فلا يرد الثاني، إلا وقد صار الأول ماضيها. ولهذا جعلوه كالنقطة التي لا بعد لها.
وأنكر قوم وجوده، وقالوا: إ نما الوجود الماضي والمستقبل، وأما الزمان فلا وجود له. وهذا غلط أو مغالطة، لأنه قصر مدته، لا يخرجه عن أن يكون موجودًا، بل هو الموجود على الحقيقة، ولو لم يوجد (زمان حاضر) لما كان شيء موجودًا، لأن وجود الأشياء مرتبط بوجود الزمان. فلا يصح أن يوجد شيء من الأجرام في غير زمان. وإنما شرطنا الأجرام، لأن الأشياء
1 / 60