والجزء الذي لا يتجزأ، ليس يمتنع أحد منهم أن يسمى الجسم جوهرًا، فصار الجسم هو الجوهر المتفق عليه، والأشخاص تسمى الجواهر الأول، وأنواعها وأجناسها: الجواهر الثواني. والعرض منه سريع الزوال، لا يوجد زمانين، ومنه ما هو بطئ الزوال عن حامله. ومنه ما لا يفارق حامله إلا بفساده.
وقد ذهب قوم من المتكلمين المتأخرين إلى أن الأعراض كلها لا يجوز أن تبقى زمانين. والنظر في الصحيح من هذين القولين لا يليق ذكره بهذا الموضع.
وقوله: (ورأس الخط النقطة، والنقطة لا تنقسم): النقطة عندهم: عبارة عن نهاية الخط ومنقطعة. ولا يصح أن تنقسم، لأن الانقسام إنما يكون فيما له بعده، والنقطة عارية من الأبعاد الثلاثة. ومنزلة النقطة في صناعة الهندسة منزلة (الوحدة) في صناعة العدد، فكما أن الوحدة ليست عددًا، إنما هي مبدأ للعدد وعلة لوجوده، كذلك النقطة، ليست بعدًا ولا عظمًا. إنما هي مبدأ للأبعاد والأعظام، وعلة لوجودها. وهذه النقطة يفرض بالوهم أنها أول مراتب وجود الأعظام، ثم لحقها بعد واحد، وهو الطول، فصارت خطأ. ثم لحق الحادث منها بعد آخر، وهو العرض، فصار سطحًا، ثم لحق ذلك بعد ثالث وهو العمق أو السمك، فصار جسمًا. فصارت النقطة بهذا الاعتبار مبدأ الخط. والخط مبدأ السطح، والسطح مبدأ الجسم. ثم يكون الانحلال بعكس ما كان عليه التركيب، لأن الجسم ينحل إلى السطح، وينحل السطح إلى الخط، وينحل الخط إلى النقطة.
ومن المتكلمين من يرى أن الجسم ينحل إلى أجزاء لا تتجزأ. ومنهم من
1 / 57