المقفع فِي الْيَتِيمَة ولعمري أَن لقَولهم لَيْسَ الدّين بِالْخُصُومَةِ أصلا يثبت وَصَدقُوا مَا الدّين بِالْخُصُومَةِ وَلَو كَانَ خُصُومَة لَكَانَ موكولا إِلَى النَّاس يثبتون بآرائهم وظنهم وكل موكول إِلَى النَّاس رهينة ضيَاع وَمَا ينقم على أهل الْبدع إِلَّا أَنهم اتَّخذُوا الدّين رَأيا وَلَيْسَ الرَّأْي ثِقَة وَلَا حتما وَلم يُجَاوز الرَّأْي منزلَة الشَّك وَالظَّن إِلَّا قَرِيبا وَلم يبلغ أَن يكون يَقِينا وَلَا ثبتا ولستم بسامعين أحدا يَقُول لأمر قد استيقنه وَعلمه أرى أَنه كَذَا وَكَذَا فَلَا أجد أحدا أَشد اسْتِخْفَافًا بِدِينِهِ مِمَّن أَخذ رَأْيه وَرَأى الرِّجَال دينا مَفْرُوضًا
قَالَ أَبُو عمر وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى وَالله أعلم أَشَارَ مُصعب بن الزبير فِي قصيدته حَيْثُ قَالَ ... أاقعد بعد مَا رجفت عِظَامِي ... وَكَانَ الْمَوْت أقرب مَا يليني
أجادل كل معترض خصيم ... وَأَجْعَل دينه عرضا لديني
فاترك مَا علمت لرأي غَيْرِي ... وَلَيْسَ الرَّأْي كَالْعلمِ الْيَقِين
وَمَا أَنا وَالْخُصُومَة وَهِي لبس ... تصرف فِي الشمَال وَفِي الْيَمين
وَقد سنت لنا سنَن قوام ... يلحن بِكُل فج أَو وجين
وَكَانَ الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء ... أغر كغرة الفلق الْمُبين
وَمَا عوض لنا منهاج جهم ... بمنهاج ابْن أَمَنَة الْأمين
فَأَما مَا علمت فقد كفاني ... وَأما مَا جهلت فجنبوني
فلست بمكفر أحدا يُصَلِّي ... وَلم أجزمكموا أَن تكفروني
وَكُنَّا إخْوَة نرمي جَمِيعًا ... فنرمي كل مرتاب ظنين
وَمَا برح التَّكَلُّف إِن رمينَا ... لشأن وَاحِد فَوق الشئوني
فَأوشك أَن يخر عماد بَيت ... وَيَنْقَطِع القرين من القرين ...
قَالَ وَلَا أعلم بَين مُتَقَدِّمي هَذِه الْأمة وسلفها خلافًا إِن الرَّأْي لَيْسَ بِعلم حَقِيقَة وَأما أصُول الْعلم فالكتاب وَالسّنة وتنقسم السّنة قسمَيْنِ أَحدهمَا إِجْمَاع يَنْقُلهُ الكافة عَن الكافة فَهَذَا من الْحجَج القاطعة للأعذار إِذا لم يوجدهناك خلاف وَمن رد إِجْمَاعهم فقد رد نصا من نُصُوص الله تَعَالَى يجب استتابته عَلَيْهِ وإراقة دَمه إِن لم يتب لِخُرُوجِهِ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وسلوكه غير سَبِيل جَمِيعهم وَالضَّرْب الثَّانِي من السّنة خبر الْآحَاد والثقات الْأَثْبَات الْمُتَّصِل فَهَذَا يُوجب الْعَمَل عِنْد جمَاعَة عُلَمَاء الْأمة الَّذين هم الْقدْوَة وَالْحجّة وَمِنْهُم من يَقُول أَنه يُوجب الْعلم وَالْعَمَل جَمِيعًا وَقَالَ بشر بن السّري السَّقطِي نظرت فِي الْعلم فَإِذا هُوَ الحَدِيث والرأي فَوجدت فِي الحَدِيث ذكر النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَذكر الْمَوْت وَذكر ربوبية الله تَعَالَى سُبْحَانَهُ وجلاله وعظمته وَذكر الْجنَّة وَالنَّار وَذكر الْحَلَال وَالْحرَام والحث على صلَة
1 / 29