ولا ينبغي أن يحمل الكلام على الضرورة وأنت تجد إلى غيرها سبيلا، ولكن الوجه في "ذلك" ما قال الأصمعي، هي (إن) الجزاء، وإنما أراد إن سقته من خريف فلن يعدم الري، ولم يحتج إلى ذكر (سقته) لقوله أولا: سقته الرواعد من صيف، وقد أضمر ما لم يذكر أولا في قوله: العباد مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فأضمر (كان) وليست في الكلام.
قال أحمد: هذا الوجه الذي حكاه محمد عن الأصمعي، وهو أن تجعل (إن) في البيت بمعنى الجزاء قد أجازه سيبويه بعقب البيت، وذل قوله في إثره: وإن أراد إن الجزاء فهو جائز، لأنه يضمر فيها الفعل، إلا أنه أخره لأنه لم يكن الوجه عنده ولا مراد الشاعر عليه، إلا تراه قال في تفسير البيت: (وإنما يريد وإما من خريف) فحمل معنى البيت على إرادة الشاعر، وذلك أن الشاعر ذكر وعلا يرد هذا الماء متى شاء، وأنه غزير موجود فقال:
إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها النبع والساسحا
فقال: مسجورة، أي: مملوءة من صيف أو خريف فلن يعدم الوعل ريا على كل حال فأعلم أن ذلك ثابت له، وليس للجزاء في هذا البيت معنى يحسن في الشعر ويليق بمراد الشاعر، لأنه إذا حملها على الجزاء فإنما يريد إن سقته لم يعدم الري، وإن لم تسقه /٣٩/ عدم الري، ولا فائدة في هذا يحسن معها الشعر ولا يشبه قوله: إذا شاء طالع
1 / 94