بين كلامين، وهذا نقض جميع هذا الباب.
قال أحمد: ليس هذا بنقض شيء من الباب، لأن سيبويه إنما يبدأ بجيد الكلام ووجهه، ثم يأتي بما يجوز بعد ذلك، والدليل على جواز إلغاء ظننت وهي متقدمة في الكلام قول العرب: ظننت إنك لقائم- بكسر إن- ودخولها ها هنا على إن المكسورة كدخولها على المبتدأ، فإن قال: مجيئهم باللام معها منعها العمل، قيل: فإذا جاز أن يأتوا باللام "أخيرا" فيمنعوها العمل وقد بنوا صدر الكلام على الشك، جاز أن يبنوا الابتداء والخبر في آخر الكلام وقد مضى صدره على الشك، ومع ذلك إن هذه الأفعال غير مؤثرة، فاستعملوا ذلك "فيها" وألغوها في مواضع كثيرة من الكلام ولم يعملوها، ألا ترى أنها تلغى مع الأسماء المستفهم بها إذا وقعت قبلها في مثل قولهم: قد عملت أين زيد، وقد ظننت ومع اللام إذا قلت: قد علمت لزيد خير منك، والذي ظنه /٢٤/ محمد من تأويل قول سيبويه: إنه لا يجيز إلغاءها إلا أن يمضي صدر الكلام على اليقين ثم يدرك المتكلم الشك غلظ، وليس كما ظن، بل هو يجيز إلغاءها وإن ابتدأ شاكا.
والذي رده أحد وجهيها، والدليل على ذلك قول سيبويه في هذا الباب: (وإنما كان التأخير أقوى)، يعني في الإلغاء، (لأنه يجيء بالشك بعدما يمضي كلامه على اليقين، أو بعدما يبتدئ وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك) فقول سيبويه: (يجيء بالشك بعدما يمضي كلامه على اليقين)، عند السامعين لا عند المتكلم، ولو أراد عند المتكلم لم يقل: (أو بعدما يبتدئ وهو يريد "اليقين" ثم يدركه الشك) فقوله ها هنا: وهو يريد اليقين، غير قوله في الوجه الأول: بعدما يمضي كلامه على اليقين، فهو ها هنا غير مريد لليقين، وإنما خرج كلامه على اليقين عند السامعين، وقد بناه في نيته على الشك، لأن الشك إرادته.
1 / 74