1
إلا أن سلطان الوعي على الإنسان قد بلغ درجته العليا، ويقول بافلوف فيما رواه عنه الكتاب نفسه: «عندما بلغ تطور العالم الحيواني منزلة الإنسان نشأت إضافة هامة جدا في جهاز النظم العصبية العليا؛ ففي الحيوان تتمثل وقائع العالم - على الأعم الأغلب - بما تحدثه من المنبهات التي تصل إلى المخ، فتبعث التنبيه إلى حواس النظر والسمع وسائر الحواس الحيوانية. وهذه أيضا هي المنبهات التي تصل إلينا عن طريق المؤثرات والأحاسيس والخواطر من العالم الطبيعي، أو العالم الاجتماعي الذي يحيط بنا، ما عدا المؤثرات التي ينفرد بها الإنسان، وتؤدي له وظيفة التنبه لذلك التنبيه.»
ولا يدعى «للحيوان الناطق» ولا للحيوان ذي الروح مزية أكبر من هذه المزية، فهي تكاد أن تقرر للروح سلطانا على الجسد كسلطان «اليوجا» المعروف عند نساك الهند، وتكاد أن تجعل الأخلاق جميعا مسائل عقلية تملك التأثير الأكبر - إن لم نقل التأثير المطلق - في كيان الإنسان، وفيما هو أهل له من أهبة العقل والوجدان.
مستقبل الإنسان في علوم الأحياء
إن العلم الطبيعي حذر في تقرير مذاهبه وأحكامه، وأكثر ما يستبيحه لنفسه إذا وصل إلى شيء لم يثبت لديه كل الثبوت، ولم ير من أمانة العلم كتمانه وإخفاءه، أن يعلنه على أنه ظن مرجح، وأن موضع الشك فيه قابل للدفع والتوضيح بدليل منتظر يذكر أسباب انتظاره. وكذلك فعل دارون عند إعلانه لنظريته في تحول الأنواع.
وإذا وازنا بين حذر العلم في الحكم على الماضي وحذره في الحكم على المستقبل المحدود، فهو في الحكم على المستقبل أحذر وأقرب إلى التردد، بل إلى التوقف عن مجرد الظن إلا مشفوعا بالاعتذار. ويرى هذا الاختلاف بين حذره من أحكام الماضي وحذره من أحكام المستقبل فيما قرره عن فعل التطور أمس وفعل التطور غدا؛ فإن علماء النشوء استباحوا لأنفسهم أن يرجحوا وقوع تحول الأنواع وتقدم الإنسان جسدا وعقلا منذ ألوف السنين، ولكننا لا نعلم أن واحدا منهم أباح لنفسه أن يتنبأ بتطور واحد سيحصل غدا لا محالة، أو بتحول واحد مرجح لا يقابله ترجيح مثله إلى النقيض.
وعذرهم في هذا التهيب مفهوم، وهو أدل شيء على أن دلائل التطور الماضي لم تزد عند القائلين بها على أن تكون بعض الظنون الراجحة، ولم تبلغ عند عالم جدير بصفة العلم أن تكون علم يقين.
عذرهم أن العالم يرسم الطريق كلما تكلم على الماضي ليس إلا، ولكنه ينشئ الطريق ويتمشى فيه كلما أنشأ جزءا منه حين يسير إلى المستقبل، ولا يتساوى من يفتح طريقا ومن لا يزيد عمله على رسم طريق.
إن كان بين علماء العصر من يحق له أن يعلن رأيا جازما عن مستقبل التكوين الإنساني كما يتمثله علم الحياة، فذلك هو «البيولوجي» الكبير الأستاذ «مداوار»
Madawar ، صاحب جائزة نوبل للعلم الطبيعي «سنة 1960»، وصاحب البحوث العالية في تهيئة جسم الإنسان لقبول الأجسام الغريبة التي تنفر منها خلاياه، على الرغم من تقسيم الآدميين إلى فصائل وعائلات في تكوين الدم وأنسجة الخلايا، فإنه قد تبين له من تجارب يضيق بها الحصر أن الفرد الإنساني وحدة لا تتكرر في مكونات بدنه، وأن كل حكم على بنيته من طريق التقسيم إلى فصائل وعائلات، فهو تقسيم قابل للخطأ عند إجراء التجارب الطبية لنقل الأنسجة والأعضاء من بنية إلى بنية.
অজানা পৃষ্ঠা